الحمد لله.
الصفرة والكدرة الخارجة من الفرج نجسة ، ويجب على من ابتليت بهذا الحدث على الدوام ، أن تمنع تعدّي هذه النجاسة موضعها ، فتحتشي بقطنة أو تعصب على فرجها خرقة إن لزم الأمر .
فعَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّهَا اسْتُحِيضَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : إِنِّي اسْتُحِضْتُ حَيْضَةً مُنْكَرَةً شَدِيدَةً ، قَالَ لَهَا : ( احْتَشِي كُرْسُفًا ) ، قَالَتْ لَهُ : إِنَّهُ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ ؛ إِنِّي أَثُجُّ ثَجًّا ، قَالَ : ( تَلَجَّمِي وَتَحَيَّضِي فِي كُلِّ شَهْرٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ ، ثُمَّ اغْتَسِلِي غُسْلا ، فَصَلِّي وَصُومِي ثَلاثَةً وَعِشْرِينَ أَوْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَأَخِّرِي الظُّهْرَ وَقَدِّمِي الْعَصْرَ ، وَاغْتَسِلِي لَهُمَا غُسْلا ، وَأَخِّرِي الْمَغْرِبَ وَعَجِّلِي الْعِشَاءَ وَاغْتَسِلِي لَهُمَا غُسْلا ؛ وَهَذَا أَحَبُّ الأمْرَيْنِ إِلَي ) رواه ابن ماجة ( الطهارة وسننها/619) وأبو داود (287) والترمذي (128) وغيرهم ، وصححه الإمام أحمد والبخاري وغيرهم .
قال الترمذي رحمه الله عقب روايته لهذا الحديث : "وسألت محمدا [يعني البخاري] عن هذا الحديث ؟ فقال هو حديث حسن صحيح . وهكذا قال أحمد بن حنبل هو حديث حسن صحيح" .
وحسنه الألباني ، ينظر "إرواء الغليل" (1/202) ، وصحيح سنن ابن ماجة (510) .
قال الشوكاني رحمه الله :
" (فتلجمي) قال في الصحاح والقاموس : اللجام ما تشد به الحائض . قال الخليل : معناه افعلي فعلا يمنع سيلان الدم واسترساله ، كما يمنع اللجام استرسال الدابة .
وأما (الاستثفار) : فهو أن تشد فرجها بخرقة عريضة ، توثق طرفيها في حقب ، تشده في وسطها ، بعد أن تحتشي كرسفا ، فيمنع ذلك الدم " انتهى من "نيل الأوطار" (1/343) .
وقال الخطابي رحمه الله :
" وفيه من الفقه أن المستحاضة يجب عليها أن تستثفر ، وأن تعالج نفسها بما يسد المسلك ، ويرد الدم ؛ من قطن ونحوه ، كما قال في حديث حمنة : ( أنعت لك الكرسف ) ، وقال لها : ( تلجمي واستثفري ) .
وفيه دليل على أنها إذا لم تفعل ذلك ، كان عليها إعادة الوضوء إذا خرج منها دم .
وإنما جاء قوله صلى اللّه عليه وسلم : ( تصلي المستحاضة وإن قطر الدم على الحصير ) ، فيمن قد تعالجت بالاستثفار ونحوه ؛ فإذا جاء بعد ذلك شيء غالب لا يرده الثفر ، حتى تَقَطَّر : لم يكن عليها إعادة الوضوء .
فأما إذا لم تكن قدمت العلاج : فهي غير معذورة ، وإنما أُتيت من قِبَل نفسها ، فلزمها الوضوء.
وهكذا حكم من به سلس البول : يجب عليه أن يسد المجرى ، بقطن ونحوه ، ثم يشده بالعصائب؛ فإن لم يفعل ، فقطر : أعاد الوضوء " انتهى من "معالم السنن" (1/74-75) .
وجاء في "مطالب أولي النهى" (1/236) :
" ( ولا يلزم إعادة غسل ، ولا ) إعادة ( تعصيب لكل صلاة ، حيث لا تفريط ) في الشد ; لأن الحدث ، مع غلبته وقوته : لا يمكن التحرز منه . قالت عائشة : ( اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه ، فكانت ترى الدم والطست تحتها ، وهي تصلي ) رواه البخاري .
فإن فرّط في الشد، وخرج الدم بعد الوضوء : لزمت إعادته ; لأنه حدث أمكن التحرز منه " انتهى .
والخلاصة : إذا لم تتحفظي وجاوز شيء من ذلك موضعه فقد بطل وضوؤك وعليك إعادة الوضوء والصلاة .
وإن كنت قد تحفظت تحفظا كاملا ، فجاوز شيء من ذلك محله ، فإنه معفو عنه للمشقة .
قال الشيخ ابن عثيمين : " ومن يسير النجاسات التي يعفى عنها ، لمشقة التحرز منه : يسير سلس البول لمن ابتلي به ، وتحفظ تحفظا كثيرا قدر استطاعته " .
انتهى من " الشرح الممتع على زاد المستقنع " (1/ 447) .
لكن إن شق عليك التحفظ في بعض الأحوال ، كما لو كنت خارج بيتك ، ولم يكن معك ما تتحفظين به ، أو نحو ذلك من الأحوال العارضة : فلا حرج عليك في الصلاة وأنت على ذلك .
وقد سبق في جواب السؤال رقم (271041) : أن من شق عليه التحفظ ، فلا حرج عليه في العمل بقول من يرى أن التحفظ مستحب من أصله ، وليس بواجب .
والله أعلم .