الحمد لله.
أولا:
لم نقف على ما يعطي لنا صورة كاملة ومفصلة عن لباس المرأة المسلمة قبل نزول فرض الحجاب، لكن من خلال النصوص الشرعية الآمرة للمسلمات بالحجاب، يفهم منها أن النساء قبل فرض الحجاب، لم يكن يلبسن الحجاب الشرعي بكل تفاصيله .
لكن في الوقت نفسه المتصور في حقهن أنهن كن يلبسن لباسا محتشما؛ مما يعتاد لبسه أهل العفاف ، ويألفه أولو المروءات، وأرباب الحفاظ والتصون؛ وإن لم يكونوا من أهل الفقه والدراية .
لأن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم من أول أيامها في مكة كانت تحث على التمسك بمحاسن الأخلاق والبعد عن الفواحش وإعفاف النفس عن كل مالا يليق.
فعن عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاسٍ : " أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ: أنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فسأله:
" مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ وَالصِّلَةِ"رواه البخاري (7) ، ومسلم (1773).
بل إنّ أهل الجاهلية ، رغم انعدام باعث التقوى عند النساء في ذلك الزمن، إلا أن العفيفات منهن كن يستحيين أن يخرجن أمام الرجال وهن متبذلات في لبسهتن أمام الرجال .
بل كن يعرفن أيضا في ذلك الزمن الأول : الخمار ، وغطاء الوجه، كما يصور ذلك نابغة ذبيان إذ يقول:
سَقَطَ النَّصِيفُ وَلَمْ تُرِدْ إِسْقَاطَهُ ... فَتَنَاوَلَتْهُ وَاتَّقَتْنَا بِالْيَدِ
والنصيف: هو الخمار.
ثانيا:
المجتمع المسلم بعد فرض الحجاب، كان معظمه من المؤمنين الصادقين، وبينهم قلة قليلة من المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر.
فأما المؤمنات فبعد أن فرض الحجاب فإنهن تسارعن إلى الالتزام به ، ولم تذكر لنا كتب السيرة أن امرأة مؤمنة – ولو واحدة – خالفت أمر الله تعالى وخرجت من بيتها متبرجة .
ولذلك لم يقع من النبي صلى الله عليه وسلم إجبار لواحدة من النساء على لبس الحجاب ، لأنهن كن يأتين أمر الله ورسوله طواعية ، وقد كان ذلك الجيل ، رجالا ونساءً ، خير جيل عرفته البشرية ، فرضي الله عنهم أجمعين .
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا " رواه البخاري (4758).
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: " لَمَّا نَزَلَتْ: ( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ )، خَرَجَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ مِنَ الأَكْسِيَةِ " رواه أبو داود (4101)، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (4101).
فهكذا كان حال المهاجرات والأنصاريات.
أما المنافقات فمن صفتهن أنهن إذا خرجن إلى الناس فإنهن يظهرن الإيمان والالتزام بشرع الله تعالى.
قال الله تعالى في وصف أهل النفاق: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ البقرة /14.
وهذا كله على افتراض أنه كان هناك نساء معروفات بالنفاق ، أو يتهمن به على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ما لم نقف له على ذكر في شيء من الأخبار أو الروايات ، كما حصل في شأن رجال عرفوا بالنفاق على عهده صلى الله عليه وسلم .
فلهذا لم يكن يعرف في ذلك الزمن التبرج الحاصل اليوم ولا بعضه ، بل كان مجتمعا طاهرا عفيفًا ، كما أنّ دوافع التبرج الحاصل اليوم من ضعف الإيمان عند بعض المنتسبات للإسلام، والافتتان بحياة الغرب ، والتكالب على المتع الدنيوية ، هذا كله لم يكن موجودا في عصر النبوة، فالمؤمنات كن من أهل الصدق ، يبحثن عن مرضاة الله ، ويعملن للدار الآخرة.
ثالثا:
ترك الحجاب والتبرج بإظهار المرأة ما أمرت بستره، هذا كبيرة من كبائر الذنوب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد توعد فاعلات ذلك بالعذاب بالنار، والتوعد بالنار على فعل ما والحرمان من دخول الجنة؛ هو علامة على أنه من كبائر الذنوب.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا رواه مسلم (2128).
وعَنْ أَبِي أُذَيْنَةَ الصَّدَفِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَيْرُ نِسَائِكُمُ الْوَدُودُ الْوَلُودُ الْمُوَاتِيَةُ الْمُوَاسِيَةُ، إِذَا اتَّقَيْنَ اللهَ، وَشَرُّ نِسَائِكُمُ الْمُتَبَرِّجَاتُ الْمُتَخَيِلَّاتُ؛ وَهُنَّ الْمُنَافِقَاتُ، لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْهُنَّ، إِلَّا مِثْلُ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (14 / 11 - 12)، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (4 / 464).
والله أعلم.