ما حكم قول”لذاتي التقديس والسلام “؟ وكتابته في التعريف الشخصي في المواقع الإجتماعية؟
الحمد لله.
أولا:
التقديس: معناه التطهير.
قال ابن فارس رحمه الله تعالى:
” القاف والدال والسين أصل صحيح، وأظنه من الكلام الشرعي الإسلامي، وهو يدل على الطهر.
ومن ذلك الأرض المقدسة هي المطهرة، وتسمى الجنة حظيرة القدس، أي الطهر، وجبرئيل عليه السلام روح القدس، وكل ذلك معناه واحد.
وفي صفة الله تعالى: القدوس، وهو ذلك المعنى، لأنه منزه عن الأضداد والأنداد، والصاحبة والولد، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ” انتهى. “معجم مقاييس اللغة” (5 / 63 – 64).
والسلام: هو السلامة من كل ما يضر أو يعيب.
قال ابن فارس رحمه الله تعالى:
” السين واللام والميم معظم بابه من الصحة والعافية؛ ويكون فيه ما يشذ، والشاذ عنه قليل، فالسلامة: أن يسلم الإنسان من العاهة والأذى.
قال أهل العلم: الله جل ثناؤه هو السلام؛ لسلامته مما يلحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء … ” انتهى. “معجم مقاييس اللغة” (3 / 90).
ثانيا:
بناء على ما سبق؛ فإن عبارة “لذاتي التقديس والسلام” : ممنوعة، لا يجوز للشخص أن يطلقها على نفسه، أو على غيره؛ لأنها تشتمل على معانٍ باطلة .
فيحتمل أن القائل لهذه العبارة يثبت لنفسه الطهارة والسلامة اللائقتين بأمثاله من البشر.
وهذا أمثل محاملها، مع نوع تكلف في الاعتذار؛ وهي مع ذلك المحمل: غير جائزة؛ لأنها تكون من التزكية المذمومة للنفس. مع ما فيها من الكبر ، والإعجاب بالنفس ، لاسيما مع قوله “لذاتي” فإن هذه الكلمة تشير إلى إعجابه بنفسه ، وقد نهينا عن هذا.
قال الله تعالى: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىالنجم/32.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
” ( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ) أي: تخبرون الناس بطهارتها على وجه التمدُّح ” انتهى. “تفسير السعدي” (ص 821).
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:
” وقوله: ( فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ) أي: تمدحوها وتشكروها وتمنوا بأعمالكم، ( هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى )، كما قال: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ).
وقال مسلم في صحيحه: … عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سميت ابنتي بَرَّة.
فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الاسم، وَسُمِّيتُ بَرَّة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تزكوا أنفسكم، إن الله أعلم بأهل البر منكم. فقالوا: بم نسميها؟ قال: سموها زينب ) ” انتهى. “تفسير ابن كثير” (7 / 462 – 463).
أما إذا كان القائل يثبت لنفسه من التقديس والسلام ما هو ثابت لله تعالى في اسميه ” القدوس” و”السلام”.
ففي هذه الحالة تكون هذه المقولة من الكفر، لأن القائل -على حسب هذا المعنى- يجعل نفسه شريكا لله تعالى في صفاته، وهذا كفر؛ لأن الله لا شريك له ولا مثيل له.
قال الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الشورى/11.
والحاصل:
أنه لا يجوز لشخص أن يطلق هذه العبارة على نفسه، ولا أن يعرف نفسه بها، لما سبق بيانها من المحذور فيها، على أي محمل حملناها عليه.
فإن زعم أنه لا يقصد شيئا من هذه المعاني؟
فيقال له : إن الكلام يفهم بحسب لسان أهله، وما يدل عليه في هذا اللسان، أو ما تواضع عليه أهله من اصطلاح؛ فلا معنى لمثل هذا التكلف، والإلغاز بالمعاني البعيدة، والألفاظ المبهمة المحتملة، لا سيما إن احتملت معاني باطلة؛ فكيف إذا كان ذلك هو المفهوم منها؟!
والله أعلم.