الحمد لله.
أما الحديث الأول :
فقد أخرجه أبو داود في "سننه" (24) ، والنسائي في "سننه" (32) ، وابن حبان في "صحيحه" (1426) ، والحاكم في "المستدرك" (594) ، من حديث حُكَيمَةَ بنتِ أُمَيمَةَ بنتُ رُقَيقة عن أُمِّها أنَّها قالت:" كان للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَدَحٌ من عَيْدانٍ تحتَ سَريرِهِ يبولُ فيه باللَّيل ".
والحديث حسنه النووي في "الإيجاز في شرح سنن أبي داود" (ص155) ، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (19) .
وأما الحديث الثاني :
فقد أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2077) من حديث عبد الله بن يزيد ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَا يُنْقَعُ بَوْلٌ فِي طَسْتِ فِي الْبَيْتِ ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ بَوْلٌ يُنْقَعُ ، وَلَا تَبُولَنَّ فِي مُغْتَسَلِكَ ) .
والحديث حسنه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (999) ، وجود إسناده الحافظ ولي الدين العراقي كما في "حاشية السيوطي على النسائي" (1/14) ، وصحح سنده الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2516) .
ولا تعارض بين الحديثين من حيث المعنى :
حيث أن الحديث الأول يدل على جواز البول في الإناء وتركه فترة الليل ، وهذا لا خلاف في جوازه ، وإنما الخلاف في كراهته لغير الحاجة .
قال النووي في "الإيجاز في شرح سنن أبي داود" (ص155) :" باب: في الرجل يبول بالليل في الإناء ، ثم يضَعُه عنده . يعني: باب جوازه ، وإنما الرجل بمعنى الشخص ، لا للاحتراز من المرأة ، فهي كهو في جوازه ، وسواء في جواز ذلك الليل والنهار ، لكن الأولى اجتنابه بالنهار من غير حاجة ". انتهى
وقال البهوتي في "منتهى الإرادات" (1/35) :" (وَ) يُكْرَهُ بَوْلُهُ فِي ( إنَاءٍ بِلَا حَاجَةٍ ) نَصًّا ، فَإِنْ كَانَتْ لَمْ يُكْرَهْ ، لِقَوْلِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رَقِيقَةَ عَنْ أُمِّهَا كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَحٌ مِنْ عَيْدَانٍ تَحْت سَرِيرِهِ يَبُولُ فِيهِ بِاللَّيْلِ . انتهى.
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (1/115) :" وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إعْدَادِ الْآنِيَةِ لِلْبَوْلِ فِيهَا بِاللَّيْلِ وَهَذَا مِمَّا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ". انتهى.
وأما الحديث الثاني : فينهى فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن نقع البول ، ومعناه أن يترك البول في إناء زمنا طويلا ، وعلى هذا فيحمل حديث النهي على النقع وطول المكث ، وبهذا جمع أهل العلم بين الحديثين .
قال ابن حجر الهيتمي في "تحفة المنهاج" (1/172) :" وَيُسَنُّ اتِّخَاذُ إنَاءٍ لِلْبَوْلِ فِيهِ لَيْلًا ، نَعَمْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَنْ يُنْقَعَ الْبَوْلُ فِي إنَائِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَيْ الَّذِينَ لِلرَّحَمةِ وَالزِّيَارَةِ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا هُوَ فِيهِ ". اهـ
وقال الشرواني في "حاشيته على تحفة المنهاج" (1/172) :" وَلَا يُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرِاني بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُنْقَعُ بَوْلٌ فِي طَسْتٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ بَوْلٌ مُنْقَعٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ بِالِانْتِقَاعِ طُولُ الْمُكْثِ ، وَمَا جُعِلَ فِي الْإِنَاءِ كَمَا ذُكِرَ لَا يَطُولُ مُكْثُهُ غَالِبًا ، أَوْ أَنَّ النَّهْيَ خَاصٌّ بِالنَّهَارِ وَرُخِّصَ فِيهِ بِاللَّيْلِ ، لِمَا مَرَّ ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ : الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ نَهَارًا لِغَيْرِ حَاجَة " انتهى.
وقال المباركفوري في "مرعاة المفاتيح" (2/67) :" قيل: يعارضه ما رواه الطبراني في الأوسط بسند جيد من حديث عبد الله بن يزيد مرفوعاً :" لا ينقع بول في طست في البيت ، فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه بول منتقع ". والجواب لعل المراد بالنقاعة طول مكثه ، وما يجعل في الإناء لا يطول مكثه غالباً. وقال المغلطائي: يحتمل أن يكون أراد كثرة النجاسة في البيت بخلاف القدح فإنه لا يحصل به نجاسة لمكان آخر". انتهى.ـ
فتبين مما سبق أنه لا تعارض بين الحديثين ، وأن النهي محمول على ترك البول في الإناء زمنا طويلا ، وهو المراد بالنقع ، وأما مجرد البول في الإناء ثم رميه بعد ذلك بزمن يسير فلا إشكال فيه .
والله أعلم .