من المعلوم أن الأموال النقدية في المصارف مكيفة فقهيا على أنها قروض، وليست ودائعا، وإن سميت بذلك، وذلك ليصح للمصارف التصرف بهذه الأموال متى شاءت، وعليها ضمانها، ومن المعلوم كذلك أن كل قرض جر نفعا فهو ربا، وعليه فتحرم هدايا المصارف لأصحاب الحسابات الجارية للاعتبارات السابقة، ولكن هل يكون ربا إذا أراد صاحب الحساب الجاري نقل أمواله من مصرف ما لمصرف آخر، واشترط لعدم نقلها بعض الامتيازات الخاصة التي لا تكون لمثله؛ كجعله عميلا مميزا، يعفى من رسوم بعض الخدمات، ونحو ذلك من الميّزات، فهل هذا من النفع الذي جره القرض أو هو مما يعفى عنه؟
الحمد لله.
أولا:
الحسابات الجارية في البنوك تكيّف على أنها قرض من العميل للبنك، وعليه فليس له أن يشترط نفعا على هذا القرض، وليس للبنك أن يقدم هدايا لأصحاب هذه الحسابات.
وأما الحسابات الاستثمارية فإن كانت منضبطة بأحكام الشرع، فهي مضاربة أو شركة.
وإن لم تكن منضبطة بأحكام الشرع: فهي ربا.
وفي حال كونها مضاربة أو شركة: فلا حرج في تقديم البنك هدايا لأصحابها.
والأصل في منع الهدايا على القرض: ما روى ابن ماجه (2432) عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ: " سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الرَّجُلُ مِنَّا يُقْرِضُ أَخَاهُ الْمَالَ فَيُهْدِي لَهُ؟
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا فَأَهْدَى لَهُ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ فَلا يَرْكَبْهَا وَلا يَقْبَلْهُ، إِلا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ حسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (6/159).
ورَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (3814) عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قال: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ لِي: إِنَّكَ بِأَرْضٍ الرِّبَا بِهَا فَاشٍ، إِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ فَلا تَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ رِبًا.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم: 86 (3/ 9) بشأن الودائع المصرفية (حسابات المصارف):
"بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع الودائع المصرفية (حسابات المصارف)، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله:
الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية)، سواء أكانت لدى البنوك الإسلامية أو البنوك الربوية: هي قروض بالمنظور الفقهي، حيث إن المصرف المتسلم لهذه الودائع يده يد ضمان لها، وهو ملزم شرعاً بالرد عند الطلب.
ولا يؤثر على حكم القرض كون البنك (المقترض) مليئاً " انتهى.
وجاء في "قرارات الهيئة الشرعية لمصرف الراجحي" (1/542) قرار رقم 355 بشأن توزيع بعض الهدايا العينية مثل البشوت والساعات على عملاء الحسابات الجارية أو بطاقات الائتمان أو التسهيلات الائتمانية:
"1 - لا يجوز منح هدايا عينية خاصة بأصحاب الحسابات الجارية أو بعضهم؛ لأنها تدخل في الصور الممنوعة من صور القرض الذي جر نفعا.
2 - لا يدخل في المنع هدايا الدعاية والإعلان التي لا تختص بعملاء الحسابات الجارية، وإنما تكون لهم ولغيرهم كالمواد الدعائية من أقلام وتقاويم ومجلات وكتب ونحو ذلك.
3 - يجوز إعطاء الهدايا لأصحاب الحسابات الاستثمارية، بشرط ألا تكون الهدايا من مال المستثمرين، وذلك لأن الحسابات الاستثمارية ليست قروضا، فلا تكون من القرض الذي جر نفعا" انتهى.
ثانيا:
إعطاء عميل الحساب الجاري بعض المميزات، أو إعفائه من رسوم بعض الخدمات، فيه تفصيل:
1-فيجوز أن يمنح بطاقة السحب، ودفتر الشيكات مجانا؛ لأن "هذه المنفعة ليست منفصلة عن القرض، بل هي وسيلة لوفاء المصرف للقروض التي اقترضها، حيث إنه مطالب بسداد القروض لكل مقرض متى طلب ذلك".
ولأنها منفعة مشتركة بين المقرض والمقترض، بل المنفعة فيها أكثر للمقترض وهو المصرف؛ لأنه يوفر عليه استخدام المستندات، وغير ذلك.
ينظر: "المنفعة في القرض" للدكتور عبد الله بن محمد العمراني، ص407
2-لا يجوز أن يميز هذا العميل بإعطائه أسعارا مميزة لبعض الخدمات.
المصدر السابق، ص412
3-يجوز انتفاع العميل بشهادة المصرف له بأنه مليء، ولا يدخل ذلك في المنفعة المحرمة. المصدر السابق، ص413
4-لا يجوز إعطاء هذا العميل نقاط مكافآت يمكن تحوليها إلى مال، أو يستفيد منها في تخفيض بعض السلع كتذاكر الطيران ونحوها؛ لأنها هدايا على القرض، فتحرم؛ لما سبق.
والله أعلم.