الحمد لله.
لا يخفى أن التجسس على المسلمين ونقل أخبارهم إلى عدوهم عمل قبيح، ومنكر كبير، يخشى منه على دين صاحبه؛ لما فيه من موالاة أعداء الله ومناصرتهم على المسلمين، وقد قال تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
آل عمران/28 ،29.
فمن خاف من العدو، جاز له أن يصانعهم، وأن يتلطف معهم، لكن من غير أن يعينهم على مسلم.
قال الطبري رحمه الله في تفسيره (6/ 313) : " هذا نهيٌ من الله عز وجل المؤمنين أن يتخذوا الكفارَ أعوانًا وأنصارًا وظهورًا ....
ومعنى ذلك: لا تتخذوا، أيها المؤمنون، الكفارَ ظهرًا وأنصارًا توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلُّونهم على عوراتهم، فإنه مَنْ يفعل ذلك "فليس من الله في شيء"، يعني بذلك: فقد برئ من الله وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر.
"إلا أن تتقوا منهم تقاة"، إلا أن تكونوا في سلطانهم، فتخافوهم على أنفسكم، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مُسلم بفعل" انتهى.
فاحمد الله أن بصرك الله بقبح هذا الفعل، ورزقك التوبة منه، فاثبت على ذلك، واجعل خوف الله تعالى أعظم من كل خوف، واحذر أن تدل على مسلمة ولو بكلمة.
ولا يلزمك إخبار من دللت عليهم؛ لما يترتب على ذلك من المفاسد، بل أكثر من الدعاء لهم، والإحسان إليهم، واستتر بسِتر الله تعالى، وداوم على فعل الصالحات، مع إحسان الظن بالله، ورجاء المغفرة وقبول التوبة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فكل مظلمة في العرض، من اغتيابٍ صادقٍ، وبهتٍ كاذبٍ فهو في معنى القذف؛ إذ القذف قد يكون صادقا، فيكون غيبة، وقد يكون كاذبا فيكون بهتا.
واختيار أصحابنا: أنه لا يُعلمه، بل يدعو له دعاء يكون إحسانا إليه في مقابلة مظلمته، كما روي في الأثر، وهذا أحسن من إعلامه/ فإن في إعلامه زيادة إيذاء له؛ فإنّ تضرُّرَ الإنسان بما علمه من شتمه، أبلغُ من تضرره بما لا يعلم.
ثم قد يكون ذلك سبب العدوان على الظالم أولا؛ إذ النفوس لا تقف غالبا عند العدل والإنصاف .
وفيه مفسدة ثالثة -ولو كانت بحق- وهو زوال ما بينهما من كمال الألفة والمحبة أو تجدد القطيعة والبغضة، والله تعالى أمر بالجماعة ونهى عن الفرقة، وهذه المفسدة قد تعظم في بعض المواضع أكثر من بعض" انتهى من "غذاء الألباب شرح منظومة الآداب" للسفاريني (2/ 578).
وإذا علم الله صدق توبتك، وحسن إقبالك عليه، رضَّى عنك خصومك يوم القيامة.
واعلم أن الله يقبل توبة عبده ويفرح بها، وأنه سبحانه لا يتعاظمه ذنب، لا كفر ولا غيره، فلا تيأس ولا تبتئس، ولا تُبال بأعداء الله، ولا تُقم لهم وزنا، فأنت الأعلى بإيمانك ويقينك، وأنت الأقرب إلى الله بتوبتك واستقامتك.
وانظر في فضل التوبة ومحبة الله لأهلها: جواب السؤال رقم:(222686)، ورقم:(46683).
نسأل الله لك العون والقبول والثبات.
والله أعلم.