وأنا أجامع زوجتي المرضع ، شربت لبنها ، هل لبنها حلال لي ؟
الحمد لله.
قبل الإجابة على السؤال لا بد من تقرير أمور مهمة في أحكام الرضاع :
1. أن الرضاع ثابت بالكتاب والسنة والإجماع .
أما من كتاب الله فقد قال تعالى : ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ) . وأما من السنة حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب . متفق عليه (البخاري ، مسلم 1444) . أما الإجماع فقد أجمع العلماء على أثر الرضاع في تحريم التناكح والمحرمية وجواز النظر والخلوة .
2. أن الرضاع المؤثر بانتقال نفعه من المرضعة إلى الرضيع له شروط وهي :
- أن يكون الرضاع في الحولين ( عامين ) لقوله تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) البقرة : 233 .
- أن يكون عدد الرضعات خمس رضعات معلومات بحيث تكون وجبة للطفل ، كالأكلة من الأكلات والشربة من الشربات أما قطع الطفل الثدي لعارض كالتنفس أو نقله من ثدي لآخر فهذه لا تعتبر رضعة وهو مذهب الشافعي واختيار ابن القيم ، وتعريف الرضعة أن يلتقم الطفل الثدي فيمصه حتى يدخل اللبن إلى جوفه ثم يتركه من تلقاء نفسه ، ودليل الخمس رضعات ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان فيما أنزل من القران عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن . رواه مسلم (1452) أي أن نسخ تلاوة ذلك تأخر جدا حتى إنه توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض الناس لم يبلغه نسخ تلاوته ، فلما بلغهم نسخ تلاوته تركوه وأجمعوا على أنه لا يتلى مع بقاء حكمه ، وهو من نسخ التلاوة دون الحكم وهو أحد أنواع النسخ . فإذا تقرر هذا فإن الرضاعة بعد الحولين لا تحرم شيئا وهذا هو رأي جمهور أهل العلم ومن أدلتهم الآية السابقة وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يُحِّرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام " . رواه الترمذي (رقم 1152) وقال : هذا حديث حسن صحيح . والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين وما كان بعد الحولين الكاملين فإنه لا يحرم شيئا .ا.هـ.
وثمَّ جملة آثار عن الصحابة منها ما جاء عن أبي عطية الوادعي قال : جاء رجل إلى ابن مسعود فقال : إنها كانت معي امرأتي فحُصر لبنها في ثديها فجعلت أمصه ثم أمجُّه فأتيت أبا موسى فقال ما أفتيت هذا ؟ فأخبره بالذي أفتاه فقال ابن مسعود ، وأخذ بيد الرجل : أرضيعاً ترى هذا ؟ إنما الرضاع ما أنبت اللحم والدم ، فقال أبوموسى : لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحَبْر بين أظهركم . رواه عبدالرزاق في المصنف (7/463 رقم13895) .
وروى مالك في الموطأ (2/603) من حديث ابن عمر قال : لا رضاعة إلا لمن أُرضع في الصغر ولا رضاعة لكبير . وإسناده صحيح .
وروى مالك أيضا في الموطأ عن عبد الله بن دينار أنه قال : جاء رجل إلى عبد الله بن عمر وأنا معه عند دار القضاء يسأله عن رضاعة الكبير ؟ فقال عبد الله بن عمر : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال إني لي وليدة وكنت أطؤها فعمدت امرأتي إليها فأرضعتها ، فدخلت عليها فقالت : دونك ، فقد والله أرضعتها . فقال عمر : أوْجِعْها وأْتِ جاريتك فإنما الرضاعة رضاعة الصغير . وإسناده صحيح .
وبهذا يتبين أن مص لبن الزوجة لا يؤثر في المحرمية قال ابن قدامة في المغني (9/201) : فإن من شرط تحريم الرضاع أن يكون في الحولين وهذا قول اكثر أهل العلم روي نحو ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم سوى عائشة وإليه ذهب الشعبي وابن شبرمة والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور ورواية عن مالك .
وبناء على ما تقدّم فإنّ مصّ لبن الزّوجة لا يؤثّر وإن كان الأولى ترك ذلك .
وقد سُئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن هذه المسألة فأجاب : رضاع الكبير لا يؤثّر لأنّ الرضاع المؤثّر هو ما كان خمس رضعات فأكثر في الحولين قبل الفطام ، وعلى هذا فلو قُدِّر أنّ أحدا رضع من زوجته أو شرب من لبنها فإنه لا يكون ابنا لها . فتاوى إسلامية 3/338 والله تعالى أعلم .