الحمد لله.
أولا:
أصول أهل السنة: ما قام عليه الدليل من الكتاب أو السنة وأجمع عليه أهل السنة، ومن ذلك: أن الإيمان قول وعمل، وأن مرتكب الكبيرة لا يكفر ولا يخلد في النار، بل يكون تحت المشيئة، وإثبات الصفات، والقدر، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وإثبات الشفاعة للعصاة، وغير ذلك.
فهذه الأصول دلت عليها الأدلة المستفيضة من الكتاب والسنة، وأجمع عليها أهل السنة، وصارت شعارا لهم، ولهذا كان المخالف لها مبتدعا.
وقد عُني أئمة السلف بإيراد هذه الأصول فيما كتبوا من بيان المعتقد، ونصوا على أن من خالفها كان مبتدعا مفارقا للسنة وأهلها.
وهذه الأصول قد يعبرون عنها بأنها من أصول السنة، أو أصول أهل السنة، أو مما يعتقده أهل السنة، أو أهل الحديث، ونحو ذلك ؛ تمييزا لها عن مسائل الفروع التي يسوغ فيها الخلاف.
قال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني رحمه الله :
"ومن مذهب أهل الحديث أن الإيمان قول وعمل ومعرفة، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية".
وقال: "ويعتقد أهل السنة أن المؤمن وإن أذنب ذنوبا كثيرة ، صغائر وكبائر: فإنه لا يكفر بها. وإن خرج من الدنيا غير تائب منها ، ومات على التوحيد والإخلاص ؛ فإن أمره إلى الله عز وجل، إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة يوم القيامة سالماً غانماً، غير مبتلى بالنار ولا معاقب على ما ارتكبه واكتسبه ثم استصحبه إلى يوم القيامة من الآثام والأوزار.
وإن شاء عاقبه وعذبه مدة بعذاب النار، وإذا عذبه لم يخلده فيها، بل أعتقه وأخرجه منها إلى نعيم دار القرار" انتهى من "عقيدة السلف وأصحاب الحديث" (ص264، 276) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "ومن أصول أهل السنة والجماعة : أن الدين والإيمان قول وعمل: قول القلب واللسان ، وعمل القلب واللسان والجوارح.
وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .
وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر كما يفعله الخوارج، بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي، كما قال سبحانه في آية القصاص: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) وقال: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)" انتهى من "الواسطية مع شرح الهراس"، (ص231) .
وسئل رحمه الله: "ما حد البدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء؟
فأجاب: "" البدعة " التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء :
ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة ؛ كبدعة الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة .
فإن عبد الله بن المبارك ويوسف بن أسباط وغيرهما قالوا: أصول اثنتين وسبعين فرقة هي أربع: الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة.
قيل لابن المبارك: فالجهمية؟ قال: ليست الجهمية من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
و" الجهمية " نفاة الصفات؛ الذين يقولون: القرآن مخلوق وإن الله لا يرى في الآخرة ، وإن محمدا لم يعرج به إلى الله ، وإن الله لا علم له ولا قدرة ولا حياة ، ونحو ذلك ، كما يقوله المعتزلة والمتفلسفة ومن اتبعهم" انتهى من "مجموع الفتاوى" (35/ 413) وما بعدها.
وقال الشاطبي رحمه الله: "وذلك أن هذه الفرق إنما تصير فرقا ، بخلافها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين ، وقاعدة من قواعد الشريعة، لا في جزئي من الجزئيات، إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعا، وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية، لأن الكليات تقتضي عددا من الجزئيات غير قليل، وشاذها في الغالب أن لا يختص بمحل دون محل ، ولا بباب دون باب" انتهى من "الاعتصام" (2/ 712).
ثانيا:
البدع متفاوتة، فمنها البدع الشركية ، كعبادة الأموات من الصالحين وغيرهم، ومنها البدع الاعتقادية المفسقة، كبدعة الخوارج والمرجئة، ومنها ما دون ذلك كالبدع العملية، كالاحتفال بالمولد، والتزام الأعداد والكيفيات التي لم ترد للأدعية والأذكار ونحو ذلك.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "البدع في العبادات والاعتقادات محرمة، ولكن التحريم يتفاوت بحسب نوعية البدعة، فمنها ما هو كفر صراح، كالطواف بالقبور تقربا إلى أصحابها. وتقديم الذبائح والنذور لها. ودعاء أصحابها. والاستغاثة بهم .
وكأقوال غلاة الجهمية والمعتزلة .
ومنها ما هو من وسائل الشرك، كالبناء على القبور والصلاة والدعاء عندها .
ومنها ما هو فسق اعتقادي ، كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة ، في أقوالهم واعتقاداتهم المخالفة للأدلة الشرعية.
ومنها ما هو معصية كبدعة التبتل والصيام قائما في الشمس، والخصاء بقصد قطع شهوة الجماع" انتهى من كتاب "التوحيد" (ص142) .
ثالثا:
لا يحكم على شخص معين أنه مبتدع إلا إذا كان قد بلغته الحجة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ما ثبت قبحه من البدع وغير البدع من المنهي عنه في الكتاب والسنة أو المخالف للكتاب والسنة : إذا صدر عن شخص من الأشخاص ، فقد يكون على وجه يعذر فيه؛ إما لاجتهاد أو تقليد يعذر فيه، وإما لعدم قدرته، كما قد قررته في غير هذا الموضع . وقررته أيضا في أصل " التكفير والتفسيق " المبني على أصل الوعيد.
فإن نصوص " الوعيد " التي في الكتاب والسنة ، ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ، ونحو ذلك : لا تستلزم ثبوت موجَبها في حق المعين ، إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، لا فرق في ذلك بين الأصول والفروع" انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/ 371).
وينظر لأهمية جواب السؤال رقم : (93211) .
والله أعلم.