الحمد لله.
أولا:
الأصل أنه لا يجوز بيع وجبات الطعام قبل وجودها؛ سواء كنتم تصنعونها بأنفسكم، أو تشترونها ثم تبيعونها، وذلك لما يلي:
1-أن شرط صحة البيع: وجود المبيع، وأن يكون مملوكا للبائع قبل أن يبيعه على غيره؛ لما روى النسائي (4613) ، وأبو داود (3503) ، والترمذي (1232) عن حكيم بن حزام قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيَسْأَلُنِي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي، أَبِيعُهُ مِنْهُ ، ثُمَّ أَبْتَاعُهُ لَهُ مِنْ السُّوقِ ، قَالَ: لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ والحديث صححه الألباني في "صحيح النسائي".
2-أنه لا يجوز لمن اشترى طعاما أن يبيعه قبل قبضه، فضلا عن أن يبيعه قبل أن يشتريه؛ لما في الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ ابْتَاعَ طَعَاماً فَلا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ رواه البخاري (2132) ، ومسلم (1525)، وزاد: قال ابن عباس: وأحسب كل شيء مثله.
أي لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك.
ولا يستثنى من ذلك إلا عقد السَّلَم والاستصناع ، فيما ينضبط بالصفة، كالمكيلات والموزونات، ونحوها مما يمكن ضبطه بالمواصفات المطلوبة في المبيع ، ويلغب على الظن أنه يكون موجودا ، مقدورا على تسليمه للمشتري في موعده المتفق عليه : فإنه يجوز أن يبيعها الإنسان قبل وجودها، أو قبل تملكها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ رواه البخاري (2241) ، ومسلم (1604).
والسلف هنا هو بيع السَّلم.
ويشترط له ثلاثة شروط:
1-دفع الثمن كاملا في مجلس العقد.
2-أن يكون تسليم الطعام في أجل معلوم.
3-أن يكون الطعام المبيع مما ينضبط بالصفة، كقدر معلوم من اللحم أو الدجاج، مع الأرز، وقدر معين من المقبلات أو السلطات ونحو ذلك.
فإذا كانت الوجبة معلومة القدر، يمكن تحديدها بالصفات، جاز أن تباع قبل تملكها، بل قبل وجودها.
وقد نص جماعة من الفقهاء على منع السلم في اللحم المطبوخ ، لعدم انضباطه عندهم.
قال في "شرح المنتهى" (2/ 88) في بيان شروط السلم: "(أحدها) كون مُسلَم فيه مما يمكن (انضباط صفاته) ; لأن ما لا تنضبط صفاته : يختلف كثيرا ، فيفضي إلى المنازعة والمشاقة، وعدمها مطلوب شرعا (كموزون) من ذهب وفضة وحديد ونحاس ورصاص وقطن وكتان وصوف وإبريسم وشهد وقنب وكبريت ونحوها .
(ولو) كان الموزون (شحما) نيئاً. قيل لأحمد: إنه يختلف؟ قال كل سلف يختلف (ولحما نيئا ولو مع عظمه) ; لأنه كالنوى في التمر (إن عُين محل يقطع منه) كظهر وفخذ.
وعلم منه : أنه لا يصح في مطبوخ ومشوي، ولا في لحم بعظمه ، إن لم يعين محل قطع ؛ لاختلافه" انتهى.
والذي يظهر أنه إن أمكن تقديره بالوزن، كجرامات من اللحم، أو نصف دجاجة مثلا، مع تحديد نوع اللحم والأرز وما شابه ذلك ، جاز السلم.
وكذلك يجوز الاستصناع، ولا يشترط فيه دفع الثمن في مجلس العقد، بل يجوز تقديمه وتأخيره.
وكثير من الناس اليوم يشترون ولائمهم من المطاعم بطريق الاستصناع، فيقوم المطعم بتجهيز ما يريدون من الطعام، ويعتبر ذلك منضبطا في العرف، فلا يؤدي إلى النزاع.
ولا يشترط في عقد الاستصناع أن تصنعوا الطعام بأنفسكم، بل يجوز اتفاقكم مع جهة أخرى لصنعه، ويسمى هذا الاستصناع الموازي.
والحاصل :
أنه يصح بيع وجبات الطعام قبل حضور الحفل ، على أن هذا البيع بيع سلم ، أو استصناع ، بالشروط السابقة .
ويعفى عن الاختلافات اليسيرة بين الأوصاف المتفق عليها ، وما وجد بالفعل ، فإن استقصاء الصفات متعذر في الغالب ، ولهذا قال الإمام أحمد فيما سبق : كل سلف يختلف .
أما إذا كان الطعام لا يباع للحضور إلا بعد حضورهم الحفل ، فهذا ليس من بيع السلم ولا الاستصناع ، بل هو بيع لشيء معين موجود ، وهذا لا إشكال في جوازه .
ثانيا:
يجوز بيع تذاكر دخول مكان الاحتفال مقدما - ولا يدخل في ذلك ثمن العشاء - لأن هذا من باب الإجارة، وفي الإجارة يجوز كون المنفعة بعد مدة تلي العقد، كأن يؤجره يوما محددا بعد شهر مثلا، وتُملك الأجرة بالعقد، ويجوز الاتفاق على تقديمها أو تأخيرها.
قال في "كشاف القناع" (4/ 6): " (ولا يشترط أن تلي المدة) أي مدة الإجارة (العقد ، فلو أجره سنة خمسٍ ، في سنة أربع : صح) العقد ؛ لأنها مدة يجوز العقد عليها مع غيرها ، فجاز العقد عليها مفردة ، كالتي تلي العقد " انتهى.
والله أعلم.