في قوله تعالى : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) هل الآية تختص بالميراث فقط ، أو بجميع أمور الحياة، فمثلا عندما يعطي الأب فسحة لأولاده، فيعطي الأولاد ١٠ والبنات ٥ ، فهل يجوز علما بأن البنات أكبر ؟
الحمد لله.
أولا:
قال الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ النساء/11.
فهذه الآية هي في قسمة التركة؛ ففي حالة وفاة الوالد؛ فإن ما تركه من مال يقسم بين أولاده على هذا الوجه.
ثانيا:
أمّا ما يعطيه الوالد لأولاده حال حياته؛ فهو على نوعين:
النوع الأول:
أن يعطيهم على سبيل النفقة التي على الوالد تجاه أولاده، فهذه تكون على حسب الحاجة.
فقد تأخذ البنت أكثر من الابن ، أو العكس ، على حسب حاجة كل واحد منهما .
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (41 / 81):
" اتفق الفقهاء على أن الواجب في نفقة الأقارب قدر الكفاية ، من الخبز والأدم والكسوة والسكنى والرضاع إن كان رضيعا، لأنها وجبت للحاجة ، فتقدر بما تندفع به الحاجة " انتهى.
وعلى ذلك؛ فإذا استوت حاجات الأبناء، سوى بينهم في عطيته، الذكر والأنثى، وإذا تفاوتت حاجتهم، أعطى كلا منهم بقدر ما تندفع به حاجته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" ونوع تشترك حاجتهم إليه ، من عطية أو نفقة أو تزويج: فهذا لا ريب في تحريم التفاضل فيه " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5 / 435).
ومن هذا ما يعطيه الأب لأولاده – كما في السؤال- للفسحة والمرح ، فهذا من جملة النفقة ، فلا يلزم أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين ، بل ينظر الأب إلى حاجة كل واحد من أولاده ، ويعطيه ما يكفيه ، ويراعى في هذا السن ، والجنس ، فليس الصغير في هذا كالكبير ، وليس الذكر كالأنثى، ويجتهد الأب في تحقيق العدل في هذا ، وقد يرى أن من العدل التسوية بين الأولاد ذكورا وإناثا ، إذا كانوا في سنٍّ متقاربة .
النوع الثاني: ما يحسن به الوالد لأولاده من غير ارتباط هذا الإحسان بوجود حاجة تستدعي ذلك؛ فهذه الهدية أو الهبة؛ أمر فيها الشرع بالعدل فلا يجوز أن يعطي ولدا ويحرم آخر. لحديث النُّعْمَان بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قال: " أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ!
قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ " رواه البخاري (2587) ، ومسلم (1623).
وفي رواية عند أبي داود (3544)، عن النُّعْمَان بْن بَشِيرٍ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمُ اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ .
واختلف أهل العلم في كيفية العدل بين الأولاد فيه هذه الحالة؛ هل العدل يكون بالتسوية بين الذكر والأنثى، أم يكون العدل على حسب قسمة المواريث للذكر مثل حظ الأنثيين؟
فذهب محمد بن الحسن ، صاحب أبي حنيفة ، وطائفة من المالكية والشافعية والحنابلة في القول المشهور عندهم : إلى أن العدل يكون بالإعطاء على حسب قسمة المواريث ؛ للذكر مثل حظ الأنثيين.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" ثم اختلفوا في صفة التسوية، فقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية والمالكية: العدل أن يعطي الذكر حظين ، كالميراث، واحتجوا بأنه حظها من ذلك المال لو أبقاه الواهب في يده حتى مات " انتهى من "فتح الباري" (5 / 214).
وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن العدل يحصل بالتسوية؛ قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" الأولاد يعطون على حسب ما ذكر الله ـ عزّ وجل ـ في كتابه في إرثهم: ( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ )، ولا شك أنه لا أعدل من قسمة الله عزّ وجل، ومن قال: إن هناك فرقاً بين الحياة والممات، فإنه يحتاج إلى دليل على ذلك، فنقول: هم في الحياة وبعد الممات سواء " انتهى من "الشرح الممتع" (11 / 80).
والله أعلم.