الحمد لله.
لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية ، وقد وقع الصلح والمهادنة بينه وبين المشركين، انشغل بمراسلة الملوك، يدعوهم إلى الدخول في دين الله .
فمن العلماء من جزم بأنه راسلهم أواخر سنة ست من الهجرة ، ومنهم من جزم بأنه راسلهم أوائل سنة سبع ، ويمكن الجمع بين القولين بأنه ابتدأ مراسلتهم أواخر سنة ست ، وامتدت إلى أوائل سنة سبع ، فوصل بعضهم في أواخر ست ، ووصل بعضهم أوائل سبع.
وقد كان مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية إلى المدينة في ذي الحجة من سنة ست، فبين القولين- أواخر ست وأوائل سبع- أيام .
قال ابن كثير رحمه الله :
" قال الواقدي: فِيهَا -أي سنة ست من الهجرة- فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْهَا، بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ نَفَرٍ مُصْطَحِبِينَ: حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ، إِلَى الْمُقَوْقِسِ صَاحِبِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَشُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ، مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ - شَهِدَ بَدْرًا - إِلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ، يَعْنِي مَلِكَ عَرَبِ النَّصَارَى بِالشَّامِ، وَدِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيَّ، إِلَى قَيْصَرَ، وَهُوَ هِرَقْلُ مَلِكُ الرُّومِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ إِلَى كِسْرَى مَلِكِ الْفُرْسِ، وَسَلِيطَ بْنَ عَمْرٍو الْعَامِرِيَّ إِلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ، وَعَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ، إِلَى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ النَّصَارَى بِالْحَبَشَةِ، وَهُوَ أَصْحَمَةُ ابْنُ أَبْجَرَ" انتهى من "البداية والنهاية" (6/ 248) .
وقال ابن عبد الحكم رحمه الله :
حدثنا هشام بن إسحاق وغيره، قال: " لما كانت سنة ستّ من مهاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ورجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الحديبية : بعث إلى الملوك " .
انتهى من "فتوح مصر والمغرب" (ص 65) .
وروى ابن سعد من طريق الواقدي بأسانيده : " أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم لَمَّا رَجَعَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ ، سَنَةَ سِتٍّ : أَرْسَلَ الرُّسُلَ إِلَى الْمُلُوكِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَام، وَكَتَبَ إِلَيْهِمْ كُتُبًا، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْمُلُوكَ لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلَّا مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، فَصُّهُ مِنْهُ ، نَقْشُهُ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ: مُحَمَّدٌ ، رَسُولُ، اللَّهِ، وَخَتَمَ بِهِ الْكُتُبَ، فَخَرَجَ سِتَّةُ نَفَرٍ مِنْهُمْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ ".
انتهى من " الطبقات الكبرى" (1/ 258) .
قال الحافظ رحمه الله في "الفتح" (1/ 38)
" بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دحية الكلبيّ فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ ، بَعْدَ أَنْ رَجَعَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ بِكِتَابِهِ إِلَى هِرَقْلَ، وَكَانَ وُصُولُهُ إِلَى هِرَقْلَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ " انتهى.
وقال القاضي الديار بكري رحمه الله :
" في هذه السنة – أي سنة سبع- كان إرسال الرسل إلى الملوك . في الوفاء: وفى أوّل السنة السابعة كتب إلى الملوك، وفى أسد الغابة: في سنة سبع بعث الرسل إلى الملوك .
وقيل: كان إرسال الرسل في آخر سنة ست .
وجمع بعضهم بين القولين: بأن إرسال الرسل كان في السنة السادسة، ووصولهم إلى المرسل إليهم كان في السابعة .
وفى المواهب اللدنية: بعث ستة نفر في يوم واحد في المحرم سنة سبع .
وفى المنتقى: خرجوا مصطحبين في ذي الحجة الحرام.
وفى شواهد النبوّة: ومن أواخر ذي الحجة الحرام ، من السنة السادسة على القول الأظهر ، إلى أوّل المحرم من السنة السابعة : بعث الرسل إلى أرباب الأديان "
انتهى من "تاريخ الخميس" (2/ 29) .
وهذا جمع حسن، فيكون منهم من أُرسل أواخر سنة ست، ومنهم من أرسل أوائل سبع، ومن أرسل أواخر ست، وصل أوائل سبع .
فكان إرسال الرسل إلى الملوك أواخر ست ، وأوائل سبع .
وذهب ابن إسحاق إلى أن بعث الرسل إلى الملوك كان ما بين الحديبية ووفاته صلى الله عليه وسلم .
قال ابن كثير :
" كِتَابُ بَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُلُوكِ الْآفَاقِ ، وَكَتْبِهِ إِلَيْهِمْ يَدْعُوهُمْ، إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَإِلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ :
ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ ذَلِكَ فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ فِي ذِي الْحِجَّةِ، بَعْدَ عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ.
وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ بَدْءَ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَبَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، لِقَوْلِ أَبِي سُفْيَانَ لِهِرَقْلَ حِينَ سَأَلَهُ: هَلْ يَغْدِرُ؟ فَقَالَ: لَا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا.
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: وَذَلِكَ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي مَادَّ فِيهَا أَبُو سُفْيَانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ ذَلِكَ مَا بَيْنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَوَفَاتِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ هَاهُنَا، وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْوَاقِدِيِّ مُحْتَمَلًا " انتهى من"البداية والنهاية" (6/ 468) .
فهذه ثلاثة أقوال ، مرجعها إلى قولين ، والقول الأول أشهر وأكثر .
وينظر السؤال رقم : (36861)، (20968).
والله أعلم .