الحمد لله.
أولا:
من دلائل نبوة رسولنا صلى الله عليه وسلم خاتم النبوة بين كتفيه وقد سبق في الموقع بيان ووصف هذا الخاتم في الجواب رقم (22725).
وقد اشتهرت الأخبار : أن أهل الكتاب ، في زمن النبوة ، كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخاتم.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" وخاتم النبوة: من علامات نبوته التي كان يعرفه بها أهل الكتاب ، ويسألون عنها، ويطلبون الوقوف عليها.
وقد روي: أن هرقل بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتبوك من ينظر له خاتم النبوة ثم يخبره عنه " انتهى، من "لطائف المعارف" (ص 183).
ومن ذلك ما ورد في قصة إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه، وقد سبق ذكرها في الجواب رقم (88651).
ثانيا:
إذا قدّر عدم الوقوف اليوم على مثل هذه العلامة في كتب أهل الكتاب؛ فإن هذا لا يعدّ مطعنا على مثل هذه الأخبار؛ فإن تحريف الكتب التي بأيدي أهل الكتاب اليوم ، والزيادة فيها ، والنقصان منها : أمر مشهور معروف ، لم يعد خافيا على أحد ، حتى نقاد الكتاب المقدس في الغرب ، والمختصين بمثل هذا النوع من الدراسات : يعلمون الإشكالات الكثيرة المتعلقة بهذا الشأن ؛ فكيف بنا وقد علمنا ما كتموا من الحق الذي جاءهم ، وجحدوا آيات نبوته صلى الله عليه وسلم ، وصدق كتابه بعد ما عرفوه .
ومما وقفنا عليه مما يشير إلى خاتم النبوة، ما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح"؛ فمما نقله عن أهل الكتاب:
" قالوا: وقال أشعيا أيضا: " إن غلاما ولد لنا، وابنا أعطيناه، الذي رياسته على عاتقيه وبين منكبيه، ويدعى: اسمه ملكا، عظيم المشية مسيرا عجيبا، إلها قويا مسلطا ، رئيس السلامة في كل الدهور، وسلطانه كامل ليس له فناء ".
فيقال: ليس في هذه البشارة دلالة بينة أن المراد به المسيح عليه السلام، ولو كان المراد به المسيح لم يدل على مطلوبهم، بل قد يقال المراد بها محمد صلى الله عليه وسلم فإنه الذي رياسته على عاتقيه، وبين منكبيه من جهتين:
من جهة خاتم النبوة على بعض كتفيه، وهو علامة من أعلام النبوة الذي أخبرت به الأنبياء، وعلامة ختمهم " انتهى، من "الجواب الصحيح" (3 / 406).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" قالوا: وقال أشعياء النبي، - ونص على خاتم النبوة -: " وُلِد لنا غلام، يكون عجبا وبشرا، والشامة على كتفيه، أركون السلام، إله جبار، وسلطانه سلطان السلام، وهو ابن عالمه، يجلس على كرسي داود.
قالوا: الأركون، هو العظيم بلغة الإنجيل، والأراكنة المعظمون.
ولما أبرأ المسيح مجنونا من جنونه، قال اليهود: " إن هذا لا يخرج الشياطين من الآدميين إلا بأركون الشياطين " يعنون عظيمهم.
وقال المسيح في الإنجيل: " إن أركون العالم يدان " يريد إما إبليس أو الشرير العظيم الشر من الآدميين، وسماه إلها على نحو قول التوراة: " إن الله جعل موسى إلها لفرعون "؛ أي حاكما عليه ومتصرفا فيه، وعلى نحو قول داود للعظماء من قومه: " إنكم آلهة ".
فقد شهد أشعياء بصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ووصفه بأخص علاماته وأوضحها، وهي شامته، فلعمري لم تكن الشامة لسليمان، ولا للمسيح، وقد وصفه بالجلوس على كرسي داود، يعني أنه سيرث بني إسرائيل، نبوتهم وملكهم، ويبتزهم رياستهم " انتهى، من "الجواب الصحيح" (5 / 260 - 261).
ووثق محققو الكتاب هذا الكلام المنقول عن أهل الكتاب ، وأنه في "سفر أشعياء، الإصحاح التاسع، الفقرة 6 – 7 ".
ثالثا:
النصيحة لمثلك وأنت في مثل هذا السن الملائم للتعلم؛ أن تصرف همتك كاملة للتفقه في الكتاب والسنة ، وحفظ ما تستطيع حفظه؛ ولا تسرف الوقت في مطالعة كتب أهل الكتاب؛ فنصوص الوحي هي السبيل للهدى؛ أو الخوض مع أهل الشبهات والتشكيكات ، في شبهاتهم وتشكيكاتهم .
قال الله تعالى: يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ يونس /57 .
وقال الله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا الإسراء/82 .
وقال الله تعالى: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ فصلت /44 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" وهو هذا القرآن، شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع وأمراض الشبهات، القادحة في العلم اليقيني، فإن ما فيه من المواعظ والترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة.
وإذا وجدت فيه الرغبة في الخير، والرهبة من الشر، ونمتا على تكرر ما يرد إليها من معاني القرآن، أوجب ذلك تقديم مراد الله على مراد النفس، وصار ما يرضي الله ، أحب إلى العبد من شهوة نفسه.
وكذلك ما فيه من البراهين والأدلة التي صرفها الله غاية التصريف، وبينها أحسن بيان، مما يزيل الشبه القادحة في الحق، ويصل به القلب إلى أعلى درجات اليقين " انتهى، من "تفسير السعدي" (ص 367).
والله أعلم.