ما صحة حديث: (أنا أملح، وأخي يوسف أصبح)؛ حيث لم أجد مثل هذا الحديث إلا في كتابين، وهما أيضا لمشايخ الديوبند، أولهما: "التفسير المظهري" لمحمد ثناء الله المظهري، وثانيهما: "أوجز المسالك إلي موطأ مالك للإمام" المحدث محمد زكريا الكاندهلوي، رحمهما الله، فهل هذا حديث صحيح؟
الحمد لله.
هذا الحديث لم نقف عليه في دواوين الحديث ، وإنما يذكر بدون إسناد في بعض الكتب التي ليست مصدرا للسنة، ككتاب "راحة الصدور في تاريخ الدولة السلجوقية" لمحمد بن علي الراوندي، وكبعض كتب الشيعة.
وهذا الحديث نقله الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي من بعض مؤلفات الشيخ شاه ولي الله الدهلوي، وغالب الظن أن محمد ثناء الله في تفسيره أخذه أيضا من نفس المصدر، فهو تلميذ للشيخ ولي الله الدهلوي.
وقد ذكره ولي الله الدهلوي بدون إسناد في رسالته "الدر الثمين" والتي قال في مقدمتها:
" هذه أربعون حديثا من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تروى من جهة الرؤيا، أو من جهة مشاهدة روحه الكريمة، جمعتها في هذه الرسالة، منها ما لا واسطة بيني وبينه صلى الله عليه وسلم، ومنها ما يكون بيني وبينه صلى الله عليه وسلم واسطة واحدة، ومنها ما يكون بيني وبينه صلى الله عليه وسلم واسطتان أو أكثر، سميتها (بالدر الثمين في مبشرات النبي الأمين صلى الله عليه وسلم). " انتهى من "الدر الثمين – ضمن ثلاث رسائل لشاه ولي الله الدهلوي" (ص 151).
ثم ساق هذا الحديث تحت الرقم عشرين ( ص 161)؛ حيث قال:
" أخبرني سيدي الوالد قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا أملح وأخي يوسف أصبح" انتهى.
فقد تبين أن من ذكر هذا الحديث ، إنما ذكره بلا إسناد ، والإسناد هو مدار الحكم على الحديث ، صحة وضعفا ، ولولا الإسناد لقال من شاء ، ما شاء . ومثل هذا لا يعول عليه أحد من أهل العلم بالسنة ، ولا يلقون له بالا أصلا، لأنه ليس فيه ما يستوجب البحث فيه ، وفق مناهج أهل الحديث المقررة عند أهل العلم قاطبة ؛ فضلا أن يكون سندا معقولا لقبوله، أو تمشية حاله.
وما أشار إليه في مقدمته أن هذه الأحاديث مروية من طريق رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، فمثل هذا ليس طريقا لإثبات الأحاديث، لأنه وإن كانت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حقا؛ إلا أن النوم محل لعدم الضبط والتيقن مما يسمع، وكذا الكشف.
قال المباركفوري رحمه الله تعالى:
" إن الحديث الذي لا يعلم صحته لا يكون صحيحا بتصحيحه صلى الله عليه وسلم في المنام، ولا بالكشف والإلهام، فإن أمثال هذا الحكم لا تثبت بقوله صلى الله عليه وسلم في المنام، وإنما تثبت بقوله في حياته في الدنيا، ولأن مدار تصحيح الحديث على الإسناد.
قال القاري في "شرح النخبة": وأما الكشف والإلهام فخارجان عن البحث، لاحتمال الغلط فيها. " انتهى من "مقدمة تحفة الأحوذي" (ص 309).
ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، لم يقم على صحتها دليل، ويلزم من زعمها كثير من الباطل، وادعاء هذه الرؤية هو مما اختص به المتصوفة . راجع للفائدة جواب السؤال رقم : (114317)، ورقم : (70364).
ولمزيد الفائدة حول موضوع جمال النبي صلى الله عليه وسلم طالع جواب السؤال رقم :(272974).
والله أعلم.