بعد وفاة والدي، وترك زوجة له، هل يجب على الأبناء نفقة زوجة الأب بعد وفاته؟ علما بأن زوجة الأب قد أخذت إرثها، وهو الثمن من الميراث، وبسبب خلاف بينها وبين أحد أبناء الأب قررت أن تكمل العدة في بيت أهلها، فما رأي الشرع في هذا الأمر؟
الحمد لله.
أولا:
إذا توفي الشخص سقطت عنه نفقة من كان ينفق عليهم في حياته، وصار ماله تركة لورثته.
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:
" أجمعوا على أن نفقة كل من كان يجبر على نفقته وهو حي، مثل أولاده الأطفال، وزوجاته، ووالديه، يسقط عنه " انتهى من "الاشراف" (5 / 347).
فإذا سقطت عنه نفقة زوجته، فلا ينتقل وجوبها على أولاده؛ فإنه لا يعلم من أدلة الشرع ما يوجب على أولاده أن ينفقوا عليها لمجرد أنها كانت زوجة لوالدهم المتوفى؛ لأنه " تجب النفقة بأحد أسباب ثلاثة هي: النكاح، والقرابة – أي بالرحم -، والملك " انتهى من من "الموسوعة الفقهية الكويتية" (41 / 34).
وزوجة الأب لا يوجد بها سبب من هذه الأسباب الثلاثة ، فلا تجب النفقة لها على أولاد زوجها، بعد وفاته .
فإذا كانت هذه المرأة محتاجة فنفقتها على أقاربها من أهل رحمها، الأقرب فالأقرب إليها رحما؛ كما يدل على ذلك عموم قوله تعالى:
وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ الأنفال/75.
وقوله تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا الإسراء/26.
وكقوله صلى الله عليه وسلم: ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ ... رواه مسلم (997) من حديث جابر.
وعَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ، قَالَ: " قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُولُ: يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ: أُمَّكَ، وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ، وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ، أَدْنَاكَ رواه النسائي (2532)، وصححه الألباني في "صحيح سنن النسائي".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وصلة الأرحام واجبة بالإجماع، كنفقة الأقارب، وحمل العاقلة، وعتق ذي الرحم المحرم. وإنما الاختلاف فيمن تجب صلته، وما مقدار الصلة الواجبة " انتهى من "مجموع الفتاوى" (29 / 186).
ومع ذلك .. فينبغي لهؤلاء الأبناء أن يحسنوا إلى زوجة أبيهم ، وأن يراعوا ما كان بينها وبين أبيهم من رابطة وميثاق غليظ .
فإنّ من البر بالوالد بعد وفاته أن يحسنوا إلى من كان يوده في حياته .
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ، بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ رواه مسلم (2552).
وقوله: بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ هو كناية عن الموت.
قال الطيبي رحمه الله تعالى:
" أي: إذا غاب الأب، أو مات: يحفظ أهل وده، ويحسن إليهم؛ فإنه من تمام الإحسان إلى الأب. وإنما كان أبر لأنه إذا حفظ غيبته فهو بحفظ حضوره أولى وأحرى " انتهى من "شرح المشكاة" (10 / 3159).
ثانيا:
كان الواجب عليها أن لا تنتقل من بيت زوجها حتى تكتمل عدتها، إلا إذا كان خروجها على وجه الإكراه من ابن زوجها، فهي معذورة في هذه الحال.
راجع للفائدة جواب السؤال رقم : (72269).
والله أعلم.