لي صديق يعمل مهندس إشراف حر، ومن فترة أشرف على شقة بنسبة معينة على التكلفة النهائية ، وحصل خلاف مع العميل بسبب بنود النقاشة ، والسيراميك ، والنجارة ؛ بسبب ادعاء العميل أن الأسعار أغلى من السوق ، صديقي كان يجلب صنايعية من طرفه بأسعار أرخص من السوق مثلا بسعر 5 ، ويقول للعميل : السعر 8 ، النقاشة كانت في الأول والعميل اعترض ، فصديقي طرح تغيير النقاش ، لكن العميل رفض ، وقال : أكمل ، لكن السيراميك تم الانتهاء منه بالفعل ، أما النجارة فالاتفاق أن العميل هو من سيستلمها من النجار ؛ لأنه رفض أن يدفع نسبة للإشراف عليها لصديقي ، فالنجارة جاء بها عيوب ، الآن العميل حجز جزء من نسبة صديقي وفلوس النقاش والسيراميك ؛ بحجة أنهم أغلى من السوق ، والنجارة بحجة أن بها عيوب ، وقال : إن الفلوس التي دفعها لصديقي لم يسامح فيها ، فهل المال الذي أخذه صديقي حرام ؟ وإذا كان حراما فهل من الممكن أن يرجع له المبلغ كاملا ؟
الحمد لله.
أولا:
يجوز العمل في الإشراف على تشطيب الشقق وتجهيزها، بمقابل معلوم. وهذا من باب الجعالة.
ولا يجوز أن يكون المقابل نسبة من التكلفة النهائية لأمور:
1-جهالة هذه الأجرة عند التعاقد، وهذا مفسد للجعالة ، والإجارة ، عند جمهور الفقهاء.
قال في "أسنى المطالب" (2/ 441): " الركن (الرابع: الجعل يشترط) وفي نسخة " ويشترط " (كونه معلوما ، كالأجرة) في الإجارة ، (فلو كان مجهولا) ، كثوب ، (أو خمرا ، أو مغصوبا ، فأجرة المثل) : تجب لفساد العقد بجهل الجُعل، أو بنجاسة عينه، أو بعدم القدرة على تسليمه، كما في الإجارة .
ووجه فساده بالجهل: أنه لا حاجة إلى احتماله فيه، كالإجارة، بخلافه في العمل، والعامل، ولأنه لا يكاد يرغب في العمل مع جهله بالجعل ، فلا يحصل مقصود العقد" انتهى.
وفي "المعايير الشرعية" ص 261: "يشترط أن يكون الجُعل معلوما ، متقوماً شرعاً ، مقدوراً على تسليمه، فإن كان الجعل مجهولاً ، أو غير مشروع ، أو غير مقدور على تسليمه : وجب جُعل المثل" انتهى.
2-أن في هذا أكلا للمال بغير حق، فإن الجعل مقابل العمل، والعمل لا يختلف باختلاف التكلفة النهائية في أغلب الأحوال، فلو اختار العميل مادة ب100، فإن الإشراف على تركيبها، لا يختلف عن الإشراف على تركيب مادة ب200، فما يأخذه المشرف هنا، بغير حق.
3-أن هذا قد يدعو للكذب والتحايل لزيادة التكلفة النهائية لتزيد النسبة-كما جاء في السؤال- فيأكل المشرف المال بالباطل مرتين.
4-أن هذا قد يدعو العميل لاختيار أشياء ، هناك ما هو أفضل منها ، للتقليل من النسبة التي يأخذها المشرف.
فنرى منع هذه الصورة، ووجوب أن يتم الاتفاق على مبلغ معلوم مقابل الإشراف.
فإن خشي المشرف المضرة، أو التطويل في بعض المواد، جعل لها اتفاقا خاصا يبنى على المدة، كأن يقول: أجرة ساعة الإشراف ، أو يوم الإشراف : بكذا لهذه المادة.
أو يتفق على يرفع أجرة الإشراف عليها تلافيا لما يتوقعه من الضرر والتأخير في تركيبها.
ثانيا:
يلزم صاحبك أن يرد ما أخذ بالباطل إلى العميل، وهو الفرق بين الخمسة والثمانية من أجرة العامل، ثم من نسبته هو.
ذلك أن المشرف هنا وكيل عن العميل في جلب العمال، والوكيل لا يربح دون علم موكله، حتى لو استطاع أن يأتي بأسعار أقل من السوق.
قال في "كشاف القناع" (3/ 477): " (أو قال) الموكل (اشتر لي شاة بدينار ، فاشترى) الوكيل (به) أي الدينار (شاتين ، تساوي إحداهما دينارا ، أو اشترى) الوكيل (شاة تساوي دينارا ، بأقل منه : صح) الشراء، (وكان) الزائد (للموكِّل) ، لحديث عروة بن الجعد : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معه بدينار ، يشتري له ضحية ، مرة ، وقال مرة : أو شاة ، فاشترى له اثنتين ، فباع واحدة بدينار ، وأتاه بالأخرى ، فدعا له بالبركة ؛ فكان لو اشترى التراب لربح فيه " انتهى.
وإذا رد صاحبك هذا الفرق، فلعل الخلاف بينه وبين العميل يزول.
ثالثا:
لا يلزم صاحبك شيء تجاه النجارة، لأنه لم يشرف على استلامها، وللعميل مطالبة النجار بإصلاح العمل.
والله أعلم.