الحمد لله.
أولا:
هذه المعاملة التي تقوم فيها بدفع البقرة لمن يقوم على تربيتها وما ينتج منها من حليب ونسل بينكما مناصفة؛ هذا من جنس المضاربة المشروعة؛ وقد أجاز هذه المعاملة عدد من محققي أهل العلم.
وقد سبق بيان هذا في الجواب رقم : (169553).
ثانيا:
العامل في المضاربة أمين على المال الذي يستلمه من صاحب المال.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" والعامل أمين في مال المضاربة؛ لأنه متصرف في مال غيره بإذنه، لا يختص بنفعه، فكان أمينا، كالوكيل " انتهى، من "المغني" (7 / 184).
والواجب في الأمانات حفظها وعدم التعدي عليها.
قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا النساء/58 .
قال ابن العربي رحمه الله تعالى:
" اختلف الناس في الأمانات؛ فقال قوم: هي كل ما أخذته بإذن صاحبه. وقال آخرون: هي ما أخذته بإذن صاحبه لمنفعته.
والصحيح أن كليهما أمانة؛ ومعنى الأمانة في الاشتقاق أنها أَمِنَتْ من الإفساد...
لو فرضناها نزلت في سبب فهي عامة بقولها، شاملة بنظمها لكل أمانة؛ وهي أعداد كثيرة " انتهى، من "أحكام القرآن" (1 / 449 - 450).
وهذا النوع من المضاربة؛ حيث تُسلَّم فيه البقرة للقيام بالعناية بها؛ فأداء الأمانة فيها هو العناية بها؛ والتصرف فيها ببيع أو رهن لمصلحة نفسه، أو بغير ما أذن له من شريكه فيه : تعد في الواجب عليه في حق الأمانة.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" ولا يصح رهن ما لا يجوز بيعه، غير ما ذكرنا، كالوقف وأم الولد، والكلب ونحوها؛ لأنه لا يمكن إيفاء الدين منه وهو المقصود. ولا يصح رهن ما لا يقدر على تسليمه. ولا المجهول الذي لا يجوز بيعه...
ولا رهن مال غيره بغير إذنه.. " انتهى، من "الكافي" (2 / 103).
وقال الإمام السرخسي رحمه الله: " وإذا دفع الرجل إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى ببعضها عبدا فرهنه المضارب بدين عليه من غير المضاربة لم يجز، كان في العبد فضل على رأس المال، أو لم يكن؛ لأنه صرف مال المضاربة إلى حاجة نفسه، والرهن نقيض الاستيفاء، وليس له أن يوفي دين نفسه بمال المضاربة قبل القسمة، فكذلك لا يرهن به " انتهى، من "المبسوط" (22/123). وينظر أيضا : "بدائع الصنائع" (6/142).
ثالثا:
إذا تقرر أن المضارب أمين، وليس له أن يرهن لمصلحة نفسه ، ولا أن يبيع ، ولا أن يتصرف بغير مقتضى عقد المضاربة ؛ وإلا كان متعديا ؛ تبين أن "المتعدي": يضمن الأمانة التي في يده ، إذا تلفت ، بكل حال؛ حتى ولو لم يكن له يد في هلاكها ؛ لأنه لما تعدى ما أذن له ، وحد له فيها : تحولت يده من يد مؤتمنة ، لا تضمن بغير التعدي أو التفريط ، إلى يد غاصبة ، تضمن بكل حال .
قال السيوطي رحمه الله تعالى:
" قاعدة: أسباب الضمان أربعة...
الثاني: اليد مؤتمنة كانت ، كالوديعة، والشركة، والوكالة، والمقارضة: إذا حصل التعدي... " انتهى، من "الأشباه والنظائر" (ص 491).
وجاء في "قرارات مجمع الفقه الإسلامي التابع للمؤتمر الإسلامي" في القرار رقم (122):
" ... المضارب أمين، ولا يضمن ما يقع من خسارة أو تلف ، إلا بالتعدي أو التقصير، بما يشمل مخالفة الشروط الشرعية أو قيود الاستثمار المحددة التي تم الدخول على أساسها .
ويستوي في هذا الحكم: المضاربة الفردية والمشتركة، ولا يتغير بدعوى قياسها على الإجارة المشتركة، أو بالاشتراط والالتزام " انتهى، من "مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي" (13 / 3 / 295).
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله:
"إذا تصرف في الوديعة بركوبها كما مثل المصنف بالدابة، أو السيارة في زماننا، فإذا أعطاه سيارة وركبها بمجرد ركوبه للسيارة وإخراجها من حرزها يكون ضامناً، فلو حصل عطل في السيارة، أو ضرر حتى ولو لم يكن بيده يعني لم يكن بوسعه إنما كان بسبب سماوي، أو اعتدى عليه أحد أو سرق منها شيء ولم يعثر على سارقه، فإنه يضمن ذلك كله؛ لأن يده اعتدت بإخراج الوديعة."، انتهى، من "شرح زاد المستقنع".
وعلى ذلك؛ فهذا المزارع : ضامن لثمن البقرة يوم ماتت؛ فتستوفي من ثمنها رأس مالك، الذي هو ثمن البقرة يوم تسلمها منك ، ثم ما زاد في ثمنها: فهو قسمة بينكما ، على حسب الاتفاق الحاصل بينكما في قسمة الربح الحاصل منها .
والله أعلم.