الحمد لله.
أولا :
لا حرج في عملك طبيبا للتخدير، ولا يلزمك النظر في تفاصيل كل حالة، ومن يحتاج إلى عملية ومن لا يحتاج؛ فإن هذا يُرجع فيه إلى أهل التخصص، وقد يبدو أن المرأة لا تحتاح إلى العملية القيصرية ويرى الطبيب المختص أنها بحاجة إليها.
لكن هذا في واقع الأمر: إنما يكون في الحالات التي يدخلها الاجتهاد، وتفاوت الرأي ، والتقدير؛ فيكون المرجع في ذلك إلى الطبيب المختص، فهو المسؤول عن تقدير ذلك ، والمخول بالفصل فيه .
وأما حيث يكون الأمر خارج حدود الاجتهاد، بل هو معروف، لا شك فيه ، كما يحدث في حالات كثيرة، أن إجراء الجراحة لمثل هذه الحالة: خطأ محض، أو أنه عبث لا فائدة فيه، أو أن هذه الحالة، كما ذكرت، لا داعي لدخولها للولادة القيصرية، بل يمكن توليدها ولادة طبيعية، دون خطر عليها، أو على جنينها، وهذا أمر كثير جدا، صار معلوما في الناس، وتواترت به الأنباء = فحيث تكون الأمور بينة لك، ولا إشكال عندك في أن الطبيب خالف قواعد الطب، أو خان الأمانة الموكولة إليه، ولم يتصرف بما هو نصح للمريض، وأداء لأمانته : فهنا لا يجوز لك أن تعينه على باطله، أو تعمل معه فيه .
ونظرا لأن ذلك يصعب ضبطه في تفاصيل كل حالة ؛ فالذي يظهر لنا في ذلك أنك متى عرفت طبيبا متلاعبا، متاجرا بالناس من أجل المال ، ومآربه الخاصة، أو ضعيها في طبه، غير مؤهل لهذه الأمانة: فلا تتعاون معه في عمله، ولا تشتغل معه؛ وليكن عملك مع من تثق بأمانتهم، وكفايتهم، أو مع مستوري الحال، ممن وضعتهم الجهات المعنية في هذا العمل .
ثانيا:
يلزمك الاحتياط في التعامل مع الطبيبات أو النساء المرضى، فلا تنظر إلا إلى موضع الحاجة، وعليك اجتناب الخلوة والمصافحة والتساهل في الكلام.
فإن اتقيت الله في عملك، وراقبته في تصرفاتك، كان عملك مباحا وكسبك حلالا.
قال الله تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا الإسراء/36
وروى الترمذي (2458) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ المَوْتَ وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي.
قال ابن رجب رحمه الله: "وحفظ الرأس وما وعى يدخل فيه حفظ السمع والبصر واللسان من المحرمات، وحفظ البطن وما حوى يتضمن حفظ القلب عن الإصرار على محرم، قال الله عز وجل: واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه [البقرة: 235].
وقد جمع الله ذلك كله في قوله: إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا [الإسراء: 36].
ويتضمن أيضا حفظ البطن من إدخال الحرام إليه من المآكل والمشارب.
ومن أعظم ما يجب حفظه من نواهي الله عز وجل: اللسان والفرج، وفي حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حفظ ما بين لحييه، وما بين رجليه، دخل الجنة خرجه الحاكم" انتهى من "جامع العلوم والحكم" (1/ 463).
والله أعلم.