الحمد لله.
سبق في الموقع بيان صيغة التشهد في الصلاة، كما في جواب السؤال رقم: (98031).
وقول المصلي : "السلام علينا وعلى عبادنا الصالحين" بدل العبارة المشروعة: ( السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ): هذا خطأ فيه تغيير للمعنى؛ لأن عبارة: "عباد الله" فيها نسبة العباد إلى الله تعالى .
وأما عبارة "عبادنا" ففيه نسبة العباد إلى المصلي .
ويمكن تصحيح المعنى فتحمل الإضافية على أنها لا يراد بها التملك ، ولا شك أن المصلي لا يقصد إضافة العباد إلى نفسه ، على أنه يملكهم ، وأنهم يعبدونه ، وإنما مراد من يقول ذلك – وإن كان خطأ في هذا المقام - : أنهم العباد الصالحون الذين هو من جملتهم، أو ينسبون إليه، بقبيلة تجمعهم، أو عصبة تضمهم، ونحو ذلك؛ كما يقال: رجالنا، وشبابنا، ونساؤنا.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم، في شأن غزوة ذي قرد: ( خَيْرُ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا الْيَوْمَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ ) . رواه ابن حبان (7175) وغيره، وصححه الألباني.
وشواهد ذلك من الحديث والآثار وكلام العرب: يطول ذكرها.
وإذا صدر الخطأ عن المصلي جهلا، من غير قصد المخالفة للشرع؛ فإنه يعذر به صاحبه، فلا يأثم.
قال الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) البقرة /286.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
" قوله تعالى: ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا )، لم يبين هنا هل أجاب دعاءهم هذا أو لا؟
وأشار إلى أنه أجابه بقوله في الخطأ: ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الآية، وأشار إلى أنه أجابه في النسيان بقوله: ( وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )، فإنه ظاهر في أنه قبل الذكرى لا إثم عليه في ذلك...
وقد ثبت في "صحيح مسلم": ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ: ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا )، قال الله تعالى: نعم ). " انتهى من "أضواء البيان" (1/312).
وإذا خرج وقت الصلاة التي وقع فيها الخطأ جهلا؛ فإن المصلي غير مأمور بإعادتها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وما ترك لجهله بالواجب، مثل من كان يصلي بلا طمأنينة، ولا يعلم أنها واجبة، فهذا قد اختلفوا فيه: هل عليه الإعادة بعد خروج الوقت أو لا؟ على قولين معروفين. وهما قولان في مذهب أحمد وغيره.
والصحيح: أن مثل هذا لا إعادة عليه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال للأعرابي المسيء في صلاته: ( اذهب فصل فإنك لم تصل - مرتين أو ثلاثا - فقال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا: فعلمني ما يجزيني في صلاتي ). فعلّمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بالطمأنينة. ولم يأمره بإعادة ما مضى قبل ذلك الوقت، مع قوله: ( والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا )، ولكن أمره أن يعيد تلك الصلاة؛ لأن وقتها باق. فهو مأمور بها أن يصليها في وقتها، وأما ما خرج وقته من الصلاة فلم يأمره بإعادته، مع كونه قد ترك بعض واجباته؛ لأنه لم يكن يعرف وجوب ذلك عليه...
فلم يأمرهم بقضاء ما تركوه في حال الجهل، كما لا يؤمر الكافر بقضاء ما تركه في حال كفره وجاهليته " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21 / 429 – 431).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" للتكليف موانع منها: الجهل والنسيان والإكراه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) رواه ابن ماجه والبيهقي. وله شواهد من الكتاب والسنة تدل على صحته.
فالجهل: عدم العلم؛ فمتى فعل المكلف محرما جاهلا بتحريمه فلا شيء عليه؛ كمن تكلم في الصلاة جاهلاً بتحريم الكلام، ومتى ترك واجبا جاهلا بوجوبه لم يلزمه قضاؤه إذا كان قد فات وقته؛ بدليل أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يأمر المسيء في صلاته، وكان لا يطمئن فيها: لم يأمره بقضاء ما فات من الصلوات، وإنما أمره بفعل الصلاة الحاضرة على الوجه المشروع...
وتلك الموانع إنما هي في حق الله لأنه مبني على العفو والرحمة.
أما في حقوق المخلوقين فلا تمنع من ضمان ما يجب ضمانه، إذا لم يرض صاحب الحق بسقوطه والله أعلم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (11/ 31 – 32).
وطالعي لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (178876).
والله أعلم.