أريد أن أعرف صحة حديث ابن مسعود الذي يستدل به على فضل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنه لا يملكها إلا أنت) في طلب الرزق.
ورد دعاء “اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنه لا يملكها إلا أنت” بطريق مرسل عن إبراهيم ومجاهد ومراسيلهما يقويها عدد من أئمة الحديث. وهذا المرسل يعطي شيئا من القوة لحديث ابن مسعود رضي الله عنه “ضاف النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن طعاما، فلم يجد عند واحدة منهن، فقال: اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك؛ فإنه لا يملكها إلا أنت. فأهديت إليه شاة مصلية، فقال: هذه من فضل الله، ونحن ننتظر الرحمة.” فمثل هذا أقل أحواله أن يستأنس به في مثل هذا الباب من أنواع الأدعية والأذكار أو فضائل الأعمال.
الحمد لله.
هذا الخبر رواه الطبراني في “المعجم الكبير” (10/220)، قال: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْبُرْجُمِيُّ، حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، حدثنا مِسْعَرٌ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: ” ضَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَزْوَاجِهِ يَبْتَغِي عِنْدَهُنَّ طَعَامًا، فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا إِلَّا أَنْتَ .
فَأُهْدِيَتْ إِلَيْهِ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ، فَقَالَ: هَذِهِ مِنْ فَضْلِ اللهِ، وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ .
قال الهيثمي رحمه الله تعالى:
” رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن زياد البرجمي، وهو ثقة.” انتهى. “مجمع الزوائد” (10 / 159).
لكن توثيق الهيثمي للبرجمي يعارضه حكم بعض الائمة عليه بأنه مجهول.
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: ”
قلت: وثقه ابن حبان وابن إشكاب والفضل بن سعد الأعرج كما في “اللسان”. وأما أبو حاتم فلم يعرفه فقال: “مجهول” كما رواه ابنه (3 /2 /258) عنه، وتبعه الذهبي في “الميزان” وغيره. وسائر الرواة ثقات، فالسند عندي صحيح ” انتهى من “السلسلة الصحيحة” (4/57).
فتفرد مثل هذا الراوي المختلف في توثيقه، يضعف الحديث ويوهنه، ولهذا حكم عليه أبو نعيم الأصبهاني، بقوله:
” غريب من حديث مسعر وزبيد، تفرد به البرجمي، عن عبيد الله ” انتهى من “حلية الأولياء” (5/36).
لكن يشكل على هذا أن محمد بن زياد البرجمي، الذي حكم عليه الأئمة بالجهالة يظهر أنه آخر؛ لأنه يروي عن ثابت البناني وهو مختلف في سنة وفاته، وأقصى ما قيل فيها أنه مات سنة 129 هـ.
بينما شيخ محمد بن زياد البرجمي الذي في هذا الحديث، وهو عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، فقد ولد حوالي سنة 120 هـ. وتوفي سنة 213 هـ.
والرواي عن محمد بن زياد وهو عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ ولد حوالي سنة 216 هـ.
وفي هذا السند إشكال آخر أشار إليه البيهقي، وهو أنه مختلف في وصله وإرساله، حيث قال رحمه الله تعالى:
” قال أبو علي – الحسين بن علي الحافظ -: حدثنيه محمد بن عبدان الأهوازي عنه.
والصحيح عن زبيد، قال: أضاف النبي صلى الله عليه وسلم. مرسلا من قول زبيد.
حدثنا محمد بن عبدان الأهوازي، حدثنا أبي، حدثنا الحسن بن الحارث الأهوازي، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن مسعر، عن زبيد، قال: أضاف النبي صلى الله عليه وسلم وذكره ” انتهى من “دلائل النبوة” (6/ 128-129).
وقد ورد الخبر بطريق آخر مرسل.
فروى ابن أبي شيبة في “المصنف” (16/274)، و محمد بن فضيل الضبي في “الدعاء” (ص 157): عَنْ حُصَيْن بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ، قَالَ: الْتَقَى إِبْرَاهِيمُ، وَمُجَاهِدٌ فَقَالا: ” جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيُّ صَلى الله عَليهِ وسَلمَ فَشَكَى إِلَيْهِ الْجُوعَ، قَالَ: فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليهِ وسَلمَ إِلَى بُيُوتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: مَا وَجَدْت لَكَ فِي بُيُوتِ آلِ مُحَمَّدٍ شَيْئًا، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَتْهُ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ، وَقَالَ الآخَرُ: جَاءَتْهُ قَصْعَةٌ مِنْ ثَرِيدٍ، فَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَي الأَعْرَابِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليهِ وسَلمَ: اطْعَمْ ، قَالَ: فَأَكَلَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَصَابَنِي الَّذِي أَصَابَنِي، فَرَزَقَنِي اللهُ عَلَى يَدَيْك، أَفَرَأَيْت إِنْ أَصَابَنِي وَأَنَا لَيْسَ عِنْدَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليهِ وسَلمَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُك مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ، فَإِنَّهُ لاَ يَمْلِكُهُمَا إِلاَّ أَنْتَ، فَإِنَّ اللهَ رَازِقُكَ .
ومراسيل إبراهيم ومجاهد يقويها عدد من أئمة الحديث.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
” وإن صح الإسناد إلى تابعي متوسط الطبقة، كمراسيل مجاهد، وإبراهيم، والشعبي؛ فهو مرسل جيد لا بأس به، يقبله قوم ويرده آخرون ” انتهى من “الموقظة” (ص 39 – 40).
فالحاصل: أن هذا المرسل يعطي شيئا من القوة لحديث ابن مسعود رضي الله عنه، فمثل هذا أقل أحواله أن يستأنس به في مثل هذا الباب من أنواع الأدعية والأذكار، أو فضائل الأعمال.
وينظر للفائدة هذه الأجوبة: 153917، 109609، 103605، 174515، 105366، 227973.
والله أعلم.