الحمد لله.
أولا:
إذا سافر الرجل، وكان له أكثر من زوجة، فليس له أن يصحب واحدة من زوجاته دون الأخرى إلا بقرعة أو برضى الأخرى ، سواء كان السفر سفر قربة ، أو لا، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة، ووافقهم المالكية فيما إذا كان السفر سفر قربة.
وسواء أنفق على السفر من ماله ، أو من مال غيره.
والأصل في ذلك: حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ" رواه البخاري (2454) ، ومسلم (2770).
قال النووي رحمه الله: "فيه : أن من أراد سفراً ببعض نسائه: أقرع بينهن كذلك، وهذا الإقراع عندنا واجب" انتهى من " شرح مسلم " (15/ 210).
وفي "الموسوعة الفقهية" (33/ 198): " واتفق الشافعية والحنابلة : على أن الزوج لا يجوز له أن يسافر ببعض زوجاته - واحدة أو أكثر - إلا برضاء سائرهن أو بالقرعة ...
ولو سافر الزوج بواحدة ، أو أكثر ، من زوجاته دون رضاهن أو القرعة : أثم، وقضى للأخريات مدة السفر" انتهى.
ثانيا:
هذا إذا كانت الزوجتان صالحتين للسفر .
فإن كانت إحداهما لا تصلح للسفر لمرضها، أو كونها ممنوعة من السفر: فلا معنى للقرعة هنا.
والذي يظهر أن الزوج إذا كان لا يجد نفقة السفر، وكانت زوجته الثانية تتكفل بذلك، ولولا ذلك ما سافر: فإن له أن يسافر معها دون قرعة، ولا يأثم بذلك .
لكن بشرط أن يقضي للأخرى مدة السفر، على صفته، فإن سافر مع زوجته في أيام العيد، قضى للأخرى حقها في أيام العيد ، وإن سافر معها في العطلة ، قضى للأخرى في العطلة كذلك؛ لما هو معلوم من أن أيام الأعياد والعطلات : فيها من الفراغ والأنس وحصول المتعة، ما ليس في غيرها من الأيام ، فلو كان الزوج كلما جاء العيد ، عيّد مع صاحبة المال، ثم قضى للأخرى في بقية الأيام، لم يكن هذا عدلا في القسم، ولا عشرة بالمعروف.
قال في "مطالب أولي النهى" (5/278): " (وَلَيْسَ لَهُ بُدَاءَةٌ بِقَسْمٍ وَسَفَرٍ بِإِحْدَاهُنَّ) طَالَ السَّفَرُ أَوْ قَصُرَ (بِلَا قُرْعَةٍ) ، لِأَنَّهُ تَفْضِيلٌ لَهَا، وَالتَّسْوِيَةُ وَاجِبَةٌ وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ خَرَجَ بِهَا مَعَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ... (إلَّا بِرِضَاهُنَّ وَرِضَاهُ) .
فَإِذَا رَضِيَ الزَّوْجَاتُ وَالزَّوْجُ بِالْبُدَاءَةِ بِإِحْدَاهُنَّ أَوْ السَّفَرِ بِهَا: جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ...
(وَ) يَقْضِي مَنْ سَافَرَ بِوَاحِدَةٍ مِنْ زَوْجَتَيْهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ (بِدُونِهِمَا) ، أَيْ: الْقُرْعَةِ وَرِضَاهُنَّ (جَمِيعَ غَيْبَتِهِ) ، حَتَّى زَمَنِ سَيْرِهِ وَحِلِّهِ وَتَرْحَالِهِ، سَوَاءٌ طَالَ السَّفَرُ أَوْ قَصُرَ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ بَعْضَهُنّ،َ عَلَى وَجْهٍ يَلْحَقُهُ فِيهِ تُهْمَةٌ؛ فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ ، كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا..." انتهى.
وليحذر الزوج من الميل إلى إحدى الزوجتين، ميلا يحمله على عدم العدل في المبيت ، وفي كل ما يمكن فيه العدل، ففي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ . وفي رواية: أَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ رواه الترمذي (1141) ، وأبو داود (2133) ، والنسائي (3942) ، وابن ماجه (1969) .
وصحح الألباني الروايتين في " صحيح الترغيب والترهيب " برقم (1949).
والله أعلم.