الحمد لله.
أولا :
لا حرج على من لم يحضر الجمعة ؛ كالمرأة والمسافر، وصاحب العذر، أن يأكل ويشرب وقت صلاة الجمعة ؛ لأن الأصل في ذلك الإباحة ولم يرد ما يمنع من ذلك ، ولا صحة للقول بأنه يسبب الأذى ، فلو كان ذلك محرما أو مكروها لنهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم .
ثانيا:
وأما عن حكم الأكل أو الشرب ، أثناء الخطبة، لمن حضر الجمعة، فقد اختلف العلماء في ذلك على أقوال :
فقال الحنفية بكراهة الأكل والشرب أثناء الخطبة ، إلا الكمال ابن الهمام فقال بالتحريم .
قال الشرنبلالي في "مراقي الفلاح" (ص: 214): (وكره لحاضر الخطبة الأكل والشرب) وقال الكمال : يحرم . انتهى.
وينظر: "فتح القدير" لابن الهمام (2/68).
وقال المالكية بتحريم الأكل والشرب :
قال عليش : " فَيَحْرُمُ الْكَلَامُ حَالَهُمَا ، قَرَّرَهُ الْعَدَوِيُّ لِسَامِعِهِمَا ، بَلْ ( وَلَوْ لِغَيْرِ سَامِعٍ ) لِبُعْدٍ أَوْ صَمَمٍ ، إنْ كَانَ بِالْجَامِعِ أَوْ رَحْبَتِهِ ، لَا خَارِجَهُمَا وَلَوْ سَمِعَ .
وَمِثْلُ الْكَلَامِ : الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ ، وَتَحْرِيكُ مَا لَهُ صَوْتٌ ، كَوَرَقٍ وَثَوْبٍ جَدِيدٍ وَسُبْحَةٍ " انتهى من "منح الجليل" (1/ 447).
وفي "الموسوعة الفقهية الكويتية" (19/ 185): "وقال المالكية:... ويحرم تشميت العاطس ، ونهي لاغٍ ، والإشارة له ، والأكل والشرب " انتهى .
وجاء في "البيان والتحصيل" (1/ 322): " قال مالك : لا أحب لأحد أن يشرب الماء يوم الجمعة والإمام يخطب ، ولا يسقي الماء ، يدور به على الناس والإمام يخطب.
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ؛ لأنه لما كان حال الخطبة حال الصلاة في الإنصات وجب أن يكون حالها حال الصلاة في الأكل والشرب " انتهى.
وقال الشافعية والحنابلة بالكراهة ، إلا أنهم أجازوا الشرب في حال العطش الشديد :
قال النووي في "المجموع" (4/ 529) : " قال أصحابنا : يكره لهم شرب الماء للتلذذ ، ولا بأس بشربه للعطش للقوم ، والخطيب . هذا مذهبنا . قال ابن المنذر : رخص في الشرب طاوس ومجاهد والشافعي ، ونهى عنه مالك والأوزاعي وأحمد ، وقال الأوزاعي : تبطل الجمعة إذا شرب والإمام يخطب . واختار ابن المنذر : الجواز ، قال : ولا أعلم حجة لمن منعه . قال العبدري قول الأوزاعي مخالف للإجماع " انتهى.
وفي "حاشيتي قليوبي وعميرة" (1/ 327) : " وَيُكْرَهُ .... الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِلَا عَطَشٍ" انتهى.
وفي "الموسوعة الفقهية الكويتية" (19/ 185) : " وقال الشافعية : يكره في الخطبة أشياء : منها ... : شرب الماء للمصلين أثناء الخطبة ، للتلذذ ، ولا بأس بشربه للعطش " انتهى.
وقال ابن مفلح في "الفروع" (3/ 188) : " وَيُكْرَهُ الْعَبَثُ "و" وَكَذَا شُرْبُ مَاءٍ إنْ سَمِعَهَا، وَإِلَّا ، فَلَا . نَصَّ عَلَيْهِ . وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : مَا لَمْ يَشْتَدَّ عَطَشُهُ . وَجَزْم أَبُو الْمَعَالِي بِأَنَّهُ، إذَنْ: أَوْلَى. وَفِي النَّصِيحَةِ: إنْ عطش ، فشرب : فلا بأس " انتهى.
وقال البهوتي في "كشاف القناع" (3/389) ط الوزارة ـ : " ( وكذا الشرب ) يكره حال الخطبة ، إذا كان يسمع ؛ لأنه فعل يشتغل به ، أشبه مس الحصى - ( ما لم يشتد عطشه ) ، فلا يكره شربه - ؛ لأنه يذهب الخشوع ، وجزم أبو المعالي بأنه إذن أولى " انتهى.
والذي يظهر، والله أعلم : المنع من الأكل والشرب أثناء خطبة الجمعة ، لما فيهما من الانشغال عن الاستماع للإمام ، وربما أدى ذلك أيضا : إلى تخطي الرقاب ، والتشويش على المصلين، إذا كان سيقوم من مكانه .
وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم حرم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقت الخطبة ؛ فالأكل والشرب أولى .
إلا أنه يُرخص في حالة العطش الشديد ، الذي يشغله عن استماع الخطبة أن يشرب .
قال ابن قدامة رحمه الله في الكافي "وإذا لم يسمع الخطبة : فلا بأس أن يشرب الماء " .
علق عليه الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله قائلا :
"وإن كان يسمع ؟ ظاهر كلام المؤلف أنه لا يشرب .
لكن يقال : إن احتاج ، وعطش عطشا يشغله عن استماع الخطبة : فلا بأس أن يقوم ويشرب". انتهى من تعليقات الشيخ ابن عثيمين على "الكافي" (2/237) الشاملة.
والله أعلم.