الحمد لله.
أولا:
الالتزام لله بالخشوع في الصلاة وتعليق ذلك على حصول الشفاء؛ هو نذر يجب الوفاء به.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" النذر لغة: الإيجاب. يقال: نذرت هذا على نفسي، أي: أوجبت.
أما في الشرع: فهو إيجاب خاص، وهو إلزام المكلف نفسه شيئا يملكه غير محال.
وينعقد بالقول، وليس له صيغة معينة، بل كل ما دل على الالتزام فهو نذر، سواء قال: لله علي عهد، أو لله علي نذر، أو ما أشبه ذلك مما يدل على الالتزام، مثل: لله علي أن أفعل كذا، وإن لم يقل: نذر، أو عهد " انتهى من "الشرح الممتع" (15 / 207).
والمسلم إذا نذر طاعة فإنه يجب عليه الوفاء به.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ رواه البخاري (6696).
والواجبات في الشرع مقيدة بالقدرة والاستطاعة.
قال الله تعالى : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن/16.
والخشوع في أصله عبادة يطيقها المسلم؛ ولذا حث الشرع عليه، والشرع لا يكلف الإنسان بما لا طاقة له به .
قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ المؤمنون /1 - 2 .
ثانيا:
والخشوع: هو خضوع القلب لله تعالى، فلا ينشغل المصلي بغير ما أمر به في صلاته، ويتبع هذا وينتج عنه سكون الجوارح.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" ( الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ( خَاشِعُونَ ) : خائفون ساكنون. وكذا روي عن مجاهد، والحسن، وقتادة، والزهري.
وعن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: الخشوع: خشوع القلب. وكذا قال إبراهيم النخعي.
وقال الحسن البصري: كان خشوعهم في قلوبهم، فغضوا بذلك أبصارهم، وخفضوا الجناح " انتهى من "تفسير ابن كثير" (5 / 461).
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
" أصل الخشوع: السكون، والطمأنينة، والانخفاض...
وهو في الشرع: خشية من الله تكون في القلب، فتظهر آثارها على الجوارح " انتهى من "أضواء البيان" (5 / 825).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" الخشوع حضور القلب وسكون الأطراف، أي: أن يكون قلبك حاضرا مستحضرا ما يقول وما يفعل في صلاته، ومستحضرا أنه بين يدي الله عز وجل، وأنه يناجي ربه " انتهى من "الشرح الممتع" (3 / 334).
ومن المعلوم: أن التفات القلب إلى الله تعالى في الصلاة، وانشغاله بتحسين أعمال صلاته حتى تقبل منه؛ من المعلوم أن الناس في هذا درجات ، بين مقل ومستكثر، بالنظر لدرجة إيمان المصلي، ومدى فراغ قلبه من الهموم.
فقد تغلب الوساوس والخواطر على المصلي حتى تذهب أصل خشوعه، فلا يدري ما فعل في صلاته وما ترك.
وقد ترد الخواطر والوساوس على القلب، لكن لا تُذهب أصل الخشوع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" الوسواس نوعان:
أحدهما: لا يمنع ما يؤمر به من تدبر الكلم الطيب، والعمل الصالح الذي في الصلاة، بل يكون بمنزلة الخواطر، فهذا لا يبطل الصلاة؛ لكن من سلمت صلاته منه، فهو أفضل ممن لم تسلم منه صلاته. الأول شبه حال المقربين، والثاني شبه حال المقتصدين.
وأما الثاني: فهو ما منع الفهم وشهود القلب، بحيث يصير الرجل غافلا، فهذا لا ريب أنه يمنع الثواب..." انتهى من "مجموع الفتاوى" (22 / 612).
ثالثا:
ينبغي أن يعلم أن النذر نوع من اليمين ومن باب واحد.
عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّمَا النَّذْرُ يَمِينٌ، كَفَّارَتُهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ رواه أحمد (28 / 575) ، ورواه مسلم (1645) بلفظ : ( كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" والنذر نوع من اليمين، وكل نذر فهو يمين، فقول الناذر: لله علي أن أفعل. بمنزلة قوله: أحلف بالله لأفعلن؛ موجب هذين القولين التزام الفعل معلقا بالله. والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم (النذر حلف) فقوله: إن فعلت كذا فعلي الحج لله. بمنزلة قوله: إن فعلت كذا فوالله لأحجن " انتهى من "مجموع الفتاوى" (35 / 258).
والقاعدة في اليمين: أن العبرة بمعناها المقصود منها، لا بمجرد لفظها.
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
" والأصل في هذا الباب – أي باب اليمين- مراعاة ما نوى الحالف، فإن لم تكن له نية نظر إلى بساط قصته وما أثاره على الحلف [أي : ينظر إلى سبب اليمين] ثم حكم عليه بالأغلب من ذلك في نفوس أهل وقته " انتهى من "الكافي" (1 / 452).
وبناء على كل هذا الذي سبق؛ فإن عليك الرجوع إلى قصدك من الخشوع الذي نذرت أن تقومي به هل عيّنت حالا وصفة معينة من حضور القلب وسكون الجوارح، ثم تهاونت في تحقيقها؛ فحينئذ يجب عليك إخراج كفارة يمين، لأن كفارة النذر الذي لا يفي به المسلم هي كفارة اليمين كما سبق بيان هذا.
وصفة الكفارة قد سبق بيانها في جواب السؤال رقم : (45676).
وأما إذا كان قصدك من النذر تحقيق مسمى الخشوع، دون قصد حال معينة، فإن كنت في صلاتك تعقلين أقوالها وأفعالها، وهذا هو غالب حال صلاتك، وإن كانت ترد عليك الخواطر بين الحين والآخر، لكن لا تزيل تركيزك؛ فلا تجب عليك الكفارة في هذه الحال لأن أصل الخشوع وجد.
وأما إن كنت تنشغلين بالخواطر أثناء صلاتك، وتغلب عليك الغفلة إلى حد عدم الانتباه إلى أفعالها وأقوالها، ففي هذه الحال لم تلتزمي بنذرك، فعليك الكفارة كما سبق؛ لغياب أصل الخشوع.
وأما شكك في عبارة "الصلاة" أو "صلاتي" فلا يظهر له أثر؛ لأنهما بمعنى واحد.
رابعاً:
المسلم إذا أصابه بلاء: فعليه أن يجتهد في الدعاء والرجوع إلى الله تعالى، وأما النذر فمنهي عنه.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّذْرِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لاَ يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ " رواه البخاري (6608) ، ومسلم (1639).
وللفائدة ننصحك بمطالعة جواب السؤال رقم : (223305).
والله أعلم.