الحمد لله.
مكتبة الإسكندرية من أعرق وأشهر المكتبات القديمة ، حيث كانت تحوي الآلاف من المخطوطات والمجلدات والكتب العلمية القديمة في مختلِف مجالات المعرفة .
واختلفَت الروايات حول تاريخ تأسيس المكتبة ؛ فقيل : إنَّ الإسكندر الأكبر هو أول مَن أمَر ببنائها ، وقيل : إن أسرة البَطالمة هم مَن تولَّوا بناء المكتبة العُظمى ، وقيل : إن فكرة بناء المكتبة كان على يد بطليموس الأول بأمرٍ مِن الإسكندر ، إلا أن التنفيذ كان في عهد بطليموس الثاني .
وكما اختلفَت الروايات في شأن نشأة المكتبة ؛ فقد اختلفت كذلك في شأن نهايتها نتيجة الحرق الذي لحقها ؛ حيث شهدت حريقًا هائلاً سنة 48 ق.م، عندما أقدم يوليوس قيصر على حرق 101 سفينة موجودة على شاطئ البحر المتوسط بعدما حاصرَه بطليموس الصغير بعد اكتشاف مُناصرَتِه ومساعدته للملكة كليوباترا في صراعها معه على العرش ، فامتدَّت النيران إلى مكتبة الإسكندرية الموجودة أمام الشاطئ ، فالتهمَت محتوياتها ودمَّرتها .
وقد تم حرق المكتية أيضًا في القرن 4 م بعدما انتصر المسيحيُّون على البَطالمة وقاموا بتدمير آثارهم ومنشآتهم ، ومِن ضمنها المكتبة العُظمى ، وكان ذلك ما بين 387 م - 395 م؛ كما جاء في كتاب "اضمحلال وسقوط الإمبراطورية الرومانية" (9 / 275)؛ لصاحبه: إدوارد جيبون.
وعلى الرغم من ذلك فإنَّ تهمة الحرق لحقَتِ المسلمين !! فقد زعموا أن عمرو بن العاص بعد فتحِه لمصر استأذن الخليفة عمر بن الخطاب في أمر المكتبة ، بعد أن دخل عليه يحيى النحوي الإسكندراني وطلب منه كتُبَ الحكمة من الخزائن الملكية ، فكتب إلى أمير المؤمنين عمر الذي أجابه بكتاب يقول فيه : " أما الكتب التي ذكرتها ، فإن كان فيها ما يوافق كتاب الله فلا حاجةَ إليها "، وتزعم القصَّة أن عمرو بن العاص قد وزَّع الكتب على حمامات الإسكندريَّة ، وأحرقها في مواقدِها ، واستنفَد استهلاكها مدة ستة أشهر .
وهذه الرواية كذب بلا ريب ، وقد كذبها بعض المفكِّرين الأعاجم مثل غوستاف لوبون الذي أورد في كتابه الشهير "حضارة العرب" (ص: 208 / 213) تعليقًا على الرواية المزعومة: " أما إحراقُ مكتبَة الإسكندرية المزعوم : فمِن الأعمال الهمجيَّة التي تأباها عادات العرب ، والتي تجعَل المرء يسأل : كيفَ جازت هذه القصة على بعض العلماء الأعلام زمنًا طويلاً ؟!
وهذه القصة دُحضت في زماننا ، فلا نرى أن نعود إلى البحث فيها ، ولا شيء أسهلَ مِن أن نُثبت بما لدينا من الأدلة الواضحة : أن النصارى هم الذين أحرَقوا كتبَ المُشركين في الإسكندرية - قبل الفتح العربي - بعنايةٍ ، كالتي هدموا بها التماثيل، ولم يبقَ منها ما يُحرق" انتهى.
وكذبها كذلك ألفريد بتلر في كتابه "فتح العرب لمصر" ؛ حيث اعتبر أن تهمة إحراق المسلمين للمكتبة سخافة ومحض خرافة مُستبعَدة علميًّا وعقليًّا .
وفي كتاب "تاريخ المسيحية الشرقية" لعزيز سوريال عطية - ترجمة إسحاق عبيد - ذكَر أنَّ "رواية حرق العرب لمكتبة الإسكندرية من نسيج الخيال ، وهي أقربُ إلى الأساطير في كلِّ تفاصيلها ؛ حيث لا توجد مصادِر مُعاصِرة ، أو حوليَّة ، تُشير إلى الحادث من قريب أو بعيد ، فعندما وصل العرب الإسكندرية سنة 642 م لم يَجدوا شيئًا من مكتبة البطالمة ؛ فقد تمَّ إحراق المكتبة منذ زمن بعيد على يد يوليوس قيصَر عند هجومه على الإسكندرية ؛ لمساعدة كليوباترا ضدَّ أخيها سنة 48 ق.م، وعندما صارت الغلبة للمسيحيين في القرن الرابع ميلادي ، هجموا على آثار الوثنيِّين بالمدينة ودمَّروهم ، ومنها مكتبة البطالمة الوثنية ، وما بقي من لفائف البردي تهالكت وبليَت بفعل الزمن " انتهى.
وقد دحَض بعض المفكرين العرب أيضًا عملية الإحراق إلى جانبِ مَن ذَكرنا سابقًا ، ومنهم : مصطفى العبادي في كتابه "مكتبة الإسكندرية سيرتها ومصيرها"، وعباس محمود العقاد في "عبقريَّة عمر".
وينظر للفائدة :
http://www.saaid.net/daeyat/zainab/236.htm
والحاصل :
أن خبر حرق عمرو بن العاص رضي الله عنهما لمكتبة الإسكندرية خبر مكذوب مخترع ، والمسلمون برآء من ذلك .
والله أعلم.