الحمد لله.
إذا اتفقتما على إنهاء المضاربة، وأن مالك يكون قرضا لصاحبك مدة سنة، فلا يجوز أن يقال بعد ذلك إن هذا القرض يعتبر مضاربة، أو "إما أن تسدني في الموعد وإما أن تُبقي الفلوس عندك وتكون مضاربة أو تكملةً للمضاربة القديمة"؛ لأن ذلك من اشتراط الزيادة على القرض وهو ربا.
وكل اشتراط للزيادة على القرض فهو ربا، سواء كان الشرط عند بدء القرض أو في أثنائه أو عند حلول أجله.
وهذا صنيع " أهل الجاهلية، أنهم كانوا إذا حلت ديونهم قالوا للذي عليه الدين: إما أن تقضي وإما أن تربي، فإن قضى أخذوا والا زادوهم في حقوقهم وزادوهم في الأجل" انتهى من "الموطأ ، رواية يحيى الليثي" (2/ 672).
وإذا قدر أنك لم تشترط الزيادة صراحة؛ فليس أقل من أنك اشترطت نفعا يعود إليك، من استثمار دينك عليه في المضاربة التي يعمل فيها، وهذه منفعة ظاهرة أيضا، نظير الأجل الذي أجلته لسداد دينك، وهذا أيضا ربا.
فما دام الاتفاق قد تم على أن المال بيد صاحبك قرض، فلا يجوز اعتباره مضاربة؛ لما في ذلك من طلب الزيادة على القرض، وهو ربا مجمع عليه، سواء استعمل المال وربح منه أو لا.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (3/ 241): " وأجمع المسلمون نقلا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضةً من علف - كما قال ابن مسعود - أو حبة واحدة" انتهى.
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن حكم التعامل المصرفي بالفوائد:
" أن كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حل أجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله ، وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد . هاتان الصورتان ربا محرم شرعاً " انتهى من "مجلة المجمع" ع 2، ج 2 ص 735 .
ثانيا:
لا يجوز إدخال هذا الدين في مضاربة جديدة؛ لأن شرط المضاربة وعامة الشركات حضور رأس المال، فلا يجوز أن يُجعل الدين رأس مال في شركة أو مضاربة.
قال في "كشاف القناع" (3/ 497): " (ومنها) أي شروط الشركة (حضور المالين كمضاربة) لتقرير العمل وتحقيق الشركة (فلا تصح) الشركة على مال (غائب، ولا) على مال (في الذمة) لأنه لا يمكن التصرف فيه في الحال، وهو مقصود الشركة" انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية (26/ 48) " الشرط الأول: أن يكون رأس المال عينا، لا دينا: لأن التجارة التي بها يحصل مقصود الشركة وهو الربح، لا تكون بالدين. فجعله رأس مال الشركة مناف لمقصودها" انتهى.
وفي "المعايير الشرعية" ص 220: " لا يجوز أن يكون رأس المال ديناً لرب المال، على المضارب، أو غيره" انتهى.
وفيها ص 229: "مستند عدم جواز كون رأس المال دينا لرب المال على المضارب: هو أن الأصل فيه أن يكون عينا حاضرة، والدين مال غائب في الذمة.
وفيه شبهة الربا؛ لأنه يتهم في تأخير دينه من أجل أن يزيده المدين بحيلة المضاربة" انتهى.
وبهذا يتبين أن قول السائل: " أنا لا أسأل عن تحويل القرض لمضاربة جديدة فهذا لا إشكال فيه": غير صحيح، وقد كان عليه أن يسأل عن حكم جعل القرض رأس مال في مضاربة جديدة، كما سأل عن المضاربة به فيما مضى.
وذلك أن الذي يظهر لنا من قول السائل: "فهذا لا إشكال فيه": مراده أن ذلك "جائز" ولا إشكال ـ عنده ـ في "جوازه" !!
وقد تبين أن فيه إشكالا، وأنه لا يجوز له أن يجعل قرضه رأس في مضاربة، لا جديدة، ولا قديمة، من باب أولى.
والله أعلم.