الحمد لله.
أولا:
اتفق الفقهاء على مشروعية سجود التلاوة ؛ للآيات والأحاديث الواردة فيه ، ولكنهم اختلفوا في حكمه على قولين :
القول الأول :
أن سجود التلاوة سنة وليس بواجب ، وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم ، المالكية والشافعية والحنابلة ، واستدلوا بما يلي :
1- ما جاء عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : " قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّجْمِ ، فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا " رواه البخاري (1073)، ومسلم (577).
وفي رواية : " فلم يسجد منا أحد" رواه ابن خزيمة (566) وإسناده حسن .
2- ما ورد عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الهُدَيْرِ التَّيْمِيِّ ، عن عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أنه قَرَأَ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ ، حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ ، نَزَلَ فَسَجَدَ ، وَسَجَدَ النَّاسُ. حَتَّى إِذَا كَانَتِ الجُمُعَةُ القَابِلَةُ ، قَرَأَ بِهَا ، حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ ، قَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ ، فَمَنْ سَجَدَ ، فَقَدْ أَصَابَ ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ ، فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ".
وَزَادَ نَافِعٌ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، " إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ ، إِلَّا أَنْ نَشَاءَ "رواه البخاري (1077).
قال ابن عبد البر رحمه الله : " هذا عمر ، وابن عمر ، ولا مخالف لهما من الصحابة ، فلا وجه لقول من أوجب سجود التلاوة فرضًا ؛ لأن الله لم يوجبه ولا رسوله ولا اتفق العلماء على وجوبه..." انتهى من "الاستذكار" (2/ 508).
القول الثاني :
أن سجود التلاوة واجب مطلقًا ، وإلى هذا ذهب الحنفية ، وهو رواية عن الإمام أحمد ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية .
واستدلوا بأن الله تعالى أمر بالسجود في عدة مواضع من القرآن الكريم ، وذم من لم يسجد عند قراءة القرآن ، كقوله تعالى : وَإِذا قرئَ عَلَيْهِم الْقُرْآن لَا يَسْجُدُونَ الانشقاق/21.
والراجح هو قول الجمهور وهو أن سجود التلاوة سنة ؛ لقوة أدلتهم ، وصراحتها في عدم الوجوب ، وإلى هذا ذهب الشيخان : ابن باز ، وابن عثيمين .
وينظر : "الموسوعة الفقهية الكويتية" (24/212)، و"الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (5/340)، و"اللباب في الجمع بين السنة والكتاب" للمنبجي (1/288)، و"فتاوى نور على الدرب" لابن باز (10/446)، و"تفسير جزء عم" لابن عثيمين (ص121).
ولمعرفة ما يتعلق بسجود التلاوة من أحكام كحكم الطهارة له والتكبير والتسليم ونحو ذلك ينظر أجوبة الأسئلة رقم : (235969)، (73402)، (104336)، (4890).
ثانيا :
من كان يقرأ القرآن ، ومر بآية فيها سجدة ، وتعذر عليه السجود على الأرض ؛ كمن كان في سيارة أو طائرة أو دابة أو نحو ذلك ؛ فإنه يجوز أن يومئ بالسجود ، كصلاة النافلة .
قال النووي رحمه الله : " إذا كان المسافر قارئًا ، فقرأ السجدة في صلاة سجد : بالإيماء ، بلا خلاف ، وإن كان في غير صلاة ، سجد بالإيماء أيضًا ، على المذهب ، وبه قطع الجمهور ، وفيه وجه شاذ : أنه لا يسجد ، وبه قال بعض الحنفية .
وقال مالك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وأحمد وداود: يسجد مطلقا [أي : إذا كان داخل الصلاة أو خارجها]" انتهى من "المجموع شرح المهذب" (4/ 73).
وقال ابن قدامة رحمه الله : " وإذا كان على الراحلة في السفر ، جاز أن يومئ بالسجود حيث كان وجهه ، كصلاة النافلة ؛ فعل ذلك علي ، وسعيد بن زيد ، وابن عمر ، وابن الزبير ، والنخعي ، وعطاء ، وبه قال مالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي ، ولا نعلم فيه خلافا .
وقد روى أبو داود ، عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ عام الفتح سجدة ، فسجد الناس كلهم ، منهم الراكب ، والساجد في الأرض ، حتى إن الراكب ليسجد على يده ". ولأنها لا تزيد على صلاة التطوع ، وهي تفعل على الراحلة " انتهى من "المغني" لابن قدامة (2/ 370).
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : " إذا كان الإنسان يقرأ القرآن ، فمرت به آية فيها سجدة ، فيشرع له السجود على الأرض إن تمكن من ذلك . وإن لم يتمكن من ذلك ، كأن يكون راكبًا في سيارة : فيومئ إيماء ، على حسب استطاعته ، وإن لم يسجد فلا حرج عليه ؛ لأن سجود التلاوة سنة وليس بواجب " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة - 2" (6/ 167).
والله أعلم.