الحمد لله.
أولا:
مصارف الزكاة بينها الله تعالى بقوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ التوبة / 60.
وقد اختلف الفقهاء فيما يدخل تحت مصرف (في سبيل الله) غير الجهاد بالسلاح، فمنهم من أدخل الحج والعمرة، كما هو مذهب الحنابلة، ومنهم من أدخل الجهاد باللسان والبنان، أي الدعوة إلى الله تعالى، وإلى هذا ذهب كثير من العلماء المعاصرين، وصدر به قرار المجمع الفقهي بمكة المكرمة.
وينظر نص هذا القرار في جواب السؤال رقم : (121551) .
وقال الدكتور عبد الله الغفيلي في "نوازل الزكاة" ص435: "اتفق الفقهاء على أن الغزاة ممن يشملهم مصرف في سبيل الله، واختلفوا فيما عدا ذلك على أقوال عدة، ثم توسع الخلاف في هذا العصر ليكون مجمل أقوالهم في المسألة خمسة أقوال:
... القول الخامس: المراد بذلك الجهاد بمعناه العام (جهاد اليد والمال واللسان) فيشمل ذلك القتال في سبيل الله، والدعوة إلى الله، وهو ما صدر به قرار المجمع الفقهي الإسلامي والندوة الأولى لقضايا الزكاة المعاصرة".
وذكر من أدلة هذا القول: "أن الجهاد في الإسلام لا ينحصر في الغزو الحربي والقتال بالسيف، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل:أي الجهاد أفضل؟ فقال: (كلمة حق عند سلطان جائر)، وقال: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم).
ـ أن الدعوة إلى الله لو لم تكن داخلة في معنى الجهاد بالنص، لوجب إلحاقها بالقياس، فكلاهما يراد بها نصرة دين الله وإعلاء كلمته".
وقال في أوجه ترجيح هذا القول: "
1-أن كثيرا من استعمالات سبيل الله تصدق على الجهاد، مما يجعل هذا المعنى أقرب من غيره، فقد ورد لفظ "في سبيل الله" 50 مرة، منها ثمانية وثلاثين مع القتال والجهاد، وثمانية مواضع مع الإنفاق، سبعة منها في الإنفاق مع القتال، والثامن هو آية الصدقة، والأربعة المتبقية تمام الخمسين وردت مع الهجرة التي يراد بها التوجه لديار الإسلام إعزازا للدين، فيتبين من ذلك أغلب المواضع التي ورد فيها اللفظ أريد به الجهاد...
3-أن جميع الآيات التي ذكر فيها "سبيل الله" مقيدا بالجهاد بالنفس ذكر معها الجهاد بالمال مما يفيد توسيع مفهوم الجهاد في سبيل الله بما هو أعم من الغزو. كما جاء إطلاق الجهاد في النصوص بما هو أوسع من الغزو, كما في قوله تعالى: (وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا)..
4-أن المقصود من الغزو هو نصرة الدين ودحر الكافرين المعتدين، وهذا يتحقق في الجهاد بالمال واللسان، ببيان الحق والدعوة إليه ودحض الباطل ورده، ولا سيما في هذه الأزمنة التي ساد فيها الإعلام حتى وصل لسائر بقاع الأرض، وكان له الأثر الكبير في تشكيل عقول الناس وتبديل مفاهيمهم حقا كان ذلك أو باطلا، بل لقد أصبح الغزو الفضائي بوسائل الإعلام أشد أثرا من الغزو العسكري، مما يؤكد ضرورة عدم التفريق بين الجهاد بأنواعه المختلفة في مشروعية دفع الصدقة، ما دام يقصد منه بيان الحق ودحض الباطل" انتهى من "نوازل الزكاة" ص443
ثانيا:
إذا تبين هذا، علمنا أن جماهير أهل العلم، على أن مصرف "في سبيل الله": هو خاص بالجهاد القتالي للمشركين.
وبعض أهل العلم: ألحق بذلك الجهاد "العلمي"؛ فإذا قلنا بذلك الإلحاق ، فلا ينبغي التوسع فيه، حتى تهدر أموال الزكاة فيما لا يتحقق فيه معنى الجهاد الشرعي؛ ولا يظهر لنا أن كل صحفة على مواقع التواصل، بل ولا كل كتاب، يحصل منه ذلك المعنى.
نعم، يظهر ذلك في المدارس العلمية القائمة على تحفيظ القرآن، أو تعليم أبناء المسلمين، لا سيما في البلاد الفقيرة، أو ما يحتاج إلى تفريغ الدعاة، وطلبة العلم لنشر الشرعي.
أو مواقع علمية ودعوية، يقوم عليها المختصون، وتظهر منفعتها وفائدتها للناس، وتحتاج إلى تفريغ القائمين عليها، ونفقات متنوعة لذلك المقصد. مع الاجتهاد في تقوى الله في ذلك، وأداء الأمانة العلمية، والمالية، على وجهها، حسب الطاقة.
ولا يظهر لنا أن بذل المال في الترويج لمثل الصفحة المذكورة، مما يحقق مقصد الجهاد، ويظهر منه نشر العلم الذي يحتاج الناس إليه.
وليس مجرد التفاعل، ولا تعليق الناس: أمارة على النفع بذلك العلم، كما يشهد له الواقع.
ويقوي ما ظهر لنا في الصفحة المذكورة: أن ما ذكر من نشر آيات، وأحاديث، وكلام لأهل العلم: هو متاح مبذول، في مواقع كثيرة، تسد ذلك الجانب، دون الحاجة إلى بذل أموال الزكاة في مثل ذلك.
نعم؛ قد يقال ذلك: في صفحات علمية، تقوم على نصرة الإسلام، والدعوة إليه، ورد الشبهات، ونحو ذلك، مما فيه سد ثغرة، يحتاجها الناس، ويحصل بها معنى النصرة لدين، والجهاد العلمي في إعلاء كلمته.
والله أعلم.