الحمد لله.
عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ: " كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ، فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِ أُخْتِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَمَا تَأْمُرُنِي فِيهَا، فَقَدْ مَنَعَتْنِي الصِّيَامَ وَالصَّلَاةَ؟
قَالَ: أَنْعَتُ لَكِ الكُرْسُفَ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ .
قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: فَتَلَجَّمِي ... .
رواه أبو داود (287) والترمذي (128) واللفظ له، وقال : " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.... وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا – البخاري - عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَهَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ " انتهى.
قال النووي رحمه الله تعالى:
" وإذا أرادت المستحاضة الصلاة : فإنها تؤمر بالاحتياط في طهارة الحدث ، وطهارة النجس، فتغسل فرجها قبل الوضوء والتيمم ، إن كانت تتيمم، وتحشو فرجها بقطنة أو خرقة، دفعا للنجاسة أو تقليلا لها؛ فإن كان دمها قليلا يندفع بذلك وحده فلا شيء عليها غيره، وإن لم يندفع، شدت مع ذلك على فرجها، وتلجمت ؛ وهو أن تشد على وسطها خرقة أو خيطا أو نحوه ، على صورة التكة، وتأخذ خرقة أخرى مشقوقة الطرفين ، فتدخلها بين فخذيها وأليتيها ، وتشد الطرفين بالخرقة التي في وسطها، أحدهما قدامها عند صرتها ، والآخر خلفها، وتحكم ذلك الشد وتلصق هذه الخرقة المشدودة بين الفخذين بالقطنة التي على الفرج إلصاقا جيدا، وهذا الفعل يسمى تلجما واستثفارا وتعصيبا" انتهى من "شرح صحيح مسلم" (4 / 17 - 18).
والمسلم مطالب بأن يكون على طهارة كاملة؛ وأن يأتي من هذه الطهارة بكل ما يستطيعه ويدخل تحت قدرته.
قال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن/16 .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بشيء فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ رواه البخاري (7288) ، ومسلم (1337).
قال عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى:
" قاعدة: وهي أن من كلف بشيء من الطاعات فقدر على بعضه وعجز عن بعضه فإنه يأتي بما قدر عليه ويسقط عنه ما عجز عنه ... " انتهى من "قواعد الأحكام" (2 / 7).
ولهذا ؛ فالمستحاضة تحاول قطع هذا الدم ما أمكن لأجل صلاتها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الدم، وأمر بما يوجب حبس الدم عن السيلان، من احتشاء أو شد أو تعصيب حسب الإمكان، وذلك لأنه نجاسة وحدث، أمكنت الصلاة بدونها، فوجب الاحتراز منه؛ كغير المعذور.
وإن غلب الدم وخرج ، بعد إحكام الشد والتلجم : لم يضر... " انتهى من"شرح العمدة" (ص 490 - 491).
وقال الزركشي رحمه الله تعالى:
" ويلزمها قبل الوضوء أن تغسل فرجها وتعصبه، وتسد محل الدم ما أمكن " انتهى من "شرح مختصر الخرقي" (1 / 424).
فلذا تقدم حشو مكان خروج الدم بالقطن على استعمال التعصيب؛ لأن هذا الحشو وسيلة لقطع خروج الدم نهائيا أثناء العبادة، فإن كان الدم كثيرا، احتاجت معه حينئذ للتعصيب حتى لا يتجاوز الدم مكانه إلى سائر البدن واللباس.
قال أبو زرعة العراقي رحمه الله تعالى:
" قولهم في المستحاضة: (وتعصبه) فيه أمران:
أحدهما: أن محل وجوب التعصيب: إذا لم تتأذ باجتماع الدم، فإن تأذت به .. فلا تعصب، وتصلي مع السيلان.
ثانيهما: أن التعصيب إنما هو بعد حشو الفرج بقطنة أو نحوها، إذا لم يندفع الدم بالحشو، كذا في "الشرح" و "الروضة"" انتهى من "تحرير الفتاوى" (1 / 194).
فإن كان الحشو يضرها ولا تحتمله ، ففي هذه الحالة تكتفي بالعصابة؛ لأن الله تعالى رفع الحرج عن هذه الأمة، وجاء الأمر بإزالة ما يضر.
ثانيا:
استعمال الفوط المخصصة للتحفظ من دم الحيض، تقوم مقام العصابة؛ لأنها يحصل بها ما يحصل بالتعصيب، من منع تسرب الدم وتجاوز محله إلى اللباس والبدن، والشرع لا يفرق بين المتماثلين.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" قد استقرت شريعته سبحانه أن حكم الشيء حكم مثله، فلا تفرق شريعته بين متماثلين أبدا، ولا تجمع بين متضادين ... فبحكمته وعدله ظهر خلقه وشرعه، وبالعدل والميزان قام الخلق والشرع، وهو التسوية بين المتماثلين، والتفريق بين المختلفين " انتهى من "زاد المعاد" (4 / 248).
والله أعلم.