الحمد لله.
أولا:
تقدم في جواب السؤال رقم:(178146) أن ما يحكم به القانون البريطاني – وما يشبهه - من إعطاء الزوجة نصف ما يمتلكه الزوج عند وقوع الطلاق بينهما، هو قانون ظالم جاهلي؛ لا يحل لمسلم أن يرضى به، أو يتحاكم إليه؛ بل التحاكم إليه من التحاكم إلى الطاغوت الكفري الذي حذر الله منه عباده في كتابه.
وقد أخطأت هذه المرأة خطأ بينا بتحاكمها لهذا القانون، ثم أخذها المال؛ فإن حكم القاضي-لو كان مسلما- لا يُحل الحرام، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (6967)، ومسلم (1713).
وما أخذته يعتبر دينا عليها لا تبرأ إلا برده؛ قوله صلى الله عليه وسلم: (عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ) رواه أحمد (20156) وغيره وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند : حسن لغيره.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ) رواه البخاري (6534).
ثانيا:
إذا كان أولاده من زوجته الأولى بالغين راشدين، وقد رضُوا بأخذ هذا المال، فعليه أن يُعلمهم أن هذا سيخصم من نصيبهم من الإرث مستقبلا، ليبادروا برد المال، وإزالة الظلم، فإن لم يفعلوا فلا حرج أن يكتب ذلك في وصيته، فإن ما أخذوه يكون دينًا عليهم، فتحصل المقاصة بين نصيبهم من التركة، وبين ما عليهم من الدين.
قال الدكتور وهبة الزحيلي فيما إذا كان على الوارث دين للمتوفى:
" الحال الثانية: أن يكون الدين قد حل أداؤه عند الوفاة أو عند القسمة، وكان أقل من نصيب الوارث المدين في التركة أو مساوياً.
فتقع المقاصة بين الدين، وسهام المدين، إن كان الدين من جنس الحاضر من التركة، ويعتبر الدين بهذه المقاصة مالاً حاضراً.
فلو أوصى بألف، وترك ولدين أحدهما مدين بألف، وترك ثلاثة آلاف، تقسم التركة ثلاثة أسهم، لكل من الولدين سهم، وللموصى له سهم، ويعتبر الدين حاضراً، فيأخذ الموصى له ألفاً، ويأخذ الولد غير المدين ألفاً، ولا يأخذ الولد المدين شيئاً، إذ تقع المقاصة بين نصيبه من التركة وبين ما عليه من الدين، وسقط سهمه من التركة.
وإذا كان الدين من غير جنس الحاضر من التركة، لا تقع المقاصة، ولكن يعتبر نصيب الوارث المدين من التركة محجوزاً كالرهن، لاستيفاء الدين، فإذا أدى ما عليه تسلم نصيبه، وإن لم يؤده باع القاضي نصيبه، ووفى الدين المستحق للتركة من ثمنه" انتهى من "الفقه الإسلامي وأدلته" (10/7552).
وأما إن كان الأولاد صغارا الآن، فلا يحق له أن يكتب ذلك؛ لأن المال قد تستحوذ عليه طليقته، فلا يأخذون منه شيئا، إلا إن كان المال قد حفظ بأسمائهم ولا يصرف إلا لهم بعد البلوغ والرشد، فلا حرج حينئذ في كتابة هذه الوصية، وإعلامهم بها بعد بلوغهم، فإن لم يردوا المال، أبقى على وصيته، ونص على أنه يخصم من نصيب كل واحد منهم ما دخل في حسابه من مال.
والله أعلم.