الحمد لله.
الاستعاذة: طلب دفع الشر. والاستعاذة بالله واللجوء إليه والاعتصام به، أمر عظيم، وقربة إلى الله تعالى، وقد جاء الأمر بها في مواضع من كتاب الله تعالى.
قال تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ الأعراف/200 .
وقال: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فصلت/36 .
قال الطبري رحمه الله في تفسيره (13/ 332): "(وإما ينزغنك من الشيطان نزغ) ، وإما يغضبنك من الشيطان غضب يصدُّك عن الإعراض عن الجاهلين، ويحملك على مجازاتهم. = (فاستعذ بالله) ، يقول: فاستجر بالله من نزغه = (إنه سميع عليم) ، يقول: إن الله الذي تستعيذ به من نزع الشيطان = (سميع) لجهل الجاهل عليك، ولاستعاذتك به من نزغه، ولغير ذلك من كلام خلقه، لا يخفى عليه منه شيء = (عليم) بما يذهب عنك نزغ الشيطان، وغير ذلك من أمور خلقه" انتهى.
وقال تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ النحل/98، 99 .
وقال سبحانه: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ المؤمنون/97، 98 .
وقال: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) سورة الفلق.
وقال: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) سورة الناس.
والمشروع للمؤمن أن يستعيذ بالله من الوسوسة والفتن ، وسائر الشرور.
ومن ذلك الاستعاذة من فتنة النساء، وفتنة المحيا والممات عند خروج الروح، وفتنة القبر، وأهوال المحشر، وعذاب النار.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من ذلك، ويرشد إليه.
وهذه الاستعاذة تتضمن تعظيم الله والتوكل عليه، وتفويض الأمر إليه، ومن استعاذ بالله فقد استعاذ بمَعَاذ، فإنه نعم المولى ونعم النصير.
وقد روى الترمذي (3492) ، والنسائي (5456) ، وأبو داود (1551) عن شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ، قَالَ: " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي تَعَوُّذًا أَتَعَوَّذُ بِهِ. قَالَ: فَأَخَذَ بِكَفِّي فَقَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي، وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي، وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي يَعْنِي فَرْجَهُ. والحديث صححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وروى البخاري (2823) ، ومسلم (2706) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ وَالهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ " .
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أَنْ يَنَامَ ، يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ رواه مسلم (2713)
وكَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ رواه مسلم (2739).
ولو جُمعت استعاذاته صلى الله عليه وسلم بربه ، لكانت شيئا كثيرا.
والخواطر التي تأتيك بشأن القيامة، وأن استعاذتك بالله تنفعك، فلا شك أن اعتصام الإنسان بربه وتوكله عليه ينفعه، لكن يظهر لنا نوع من المبالغة في كلامك، وربما غلب عليك الخوف، أو شيء من الوسوسة، والعياذ بالله .
والمؤمن يكون بين الخوف والرجاء والمحبة، فلا ينبغي أن تغفل عن مقام المحبة لله، والحمد لله، والرجاء فيما عنده.
وقولك: " وإذا بدأ الحساب أتصور أنه سيدافع عني أمام ربي وإذا اقتربت مني ملائكة العذاب سيأتي هذا الدعاء ليحاجج عني"
فلا نعلم مستندا يدل على أن استعاذتك ستدافع عنك أو تحاجج عنك، لكن ينفع المؤمن في هذا المقام عمله، ومن جملته الاستعاذة، ثم لا غنى له عن رحمة الله.
وأما قولك: " أعوذ بالله أخلو بها وحدي - أعوذ بالله أفني بها عمري - أعوذ بالله معي عند خروج روحي - أعوذ بالله أدخل بها قبري - أعوذ بالله معي في قبري - أعوذ بالله ألقي بها يوم القيامة ربي - أعوذ بالله أدخل بها بإذن ربي جنة ربي" : فدعاء مخترع لا ينبغي أن تواظب عليه، بل لا يستقيم معناه إلا بتأويل، إذ كيف يخلو الإنسان بالاستعاذة، أو يفني عمره فيها؟ وإنما يخلو الإنسان بالمناجاة والذكر، ومنها الاستعاذة، وكذلك يفني عمره في ألوان الطاعات، ومنها اللجوء إلى الله والاستعاذة به.
فإن استحضرت مقام الاستعاذة، فلا تنس مقام اللياذة، ومقام الاستعانة، ومقام التسبيح ، ومقام الحمد ، ومقام التهليل، وفي هذه المقامات كلها ، من ذكر الله ، والثناء عليه: ما هو أعظم من مجرد الاستعاذة.
ومن هنا تنتبه ، إلى أن من غلط المبالغة في باب ، أن يصرفك عما هو مثله، مما يشرع الإتيان به أيضا، لتمام العبودية، بل يصرفك عما هو خير منه ؛ فلا شك أن : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) : هي خير في معناها ، وأعظم في أجرها من مجرد الاستعاذة .
وكذلك الحمد لله ، تملأ الميزان ، وسبحان الله ، والحمد لله ، تملأ، أو تملآن ما بين السماء والأرض.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كان يطلب الخير، ويستعيذ بالله من الشر.
فتوسّط، ودع التكلّف، ولا يطغ عليك جانب فينسيك غيره مما هو خير وأعظم بركة منه ، وأنفع لك في الدارين.
فتعلم أذكار النبي صلى الله عليه وسلم ، وهديه في الذكر ، والثناء ، والتسبيح ، والاستغفار ، والزمه هديه، والزم ما أتاك به ، ونوع بين العبادات ، ولا تتكلف شيئا ، يشغلك عما سواه من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وسنته .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.