الحمد لله.
يجوز أن يشترك اثنان أحدهما بماله وعمله، والآخر بعمله، وهي مضاربة صحيحة عند الحنابلة، خلافا للجمهور.
قال الزركشي رحمه الله: " (الثالث) : شركة المضاربة، وهي المذكورة في قوله: أن يشترك بدنان بمال أحدهما، أو بدن ومال. والأصل فيها: أن يكون من أحدهما المال، ومن الآخر العمل فيه" انتهى من "شرح الخرقي" (4/ 126).
وقال ابن قدامة في "المغني" (5/ 21): " القسم الخامس، أن يشترك بدنان بمال أحدهما. وهو أن يكون المال من أحدهما، والعمل منهما، مثل أن يُخرج أحدُهما ألفا، ويعملان فيه معا، والربح بينهما: فهذا جائز. ونص عليه أحمد، في رواية أبي الحارث.
وتكون مضاربة؛ لأن غير صاحب المال يستحق المشروط له من الربح بعمله في مال غيره، وهذا هو حقيقة المضاربة.
وقال أبو عبد الله بن حامد، والقاضي، وأبو الخطاب: إذا شرط أن يعمل معه رب المال: لم يصح. وهذا مذهب مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي، وأبي ثور، وابن المنذر. قال: ولا تصح المضاربة حتى يسلم المال إلى العامل، ويخلي بينه وبينه؛ لأن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى المضارب، فإذا شرط عليه العمل، فلم يُسلمه، لأن يده عليه، فيخالف موضوعها.
وتأول القاضي كلام أحمد والخرقي، على أن رب المال عمل من غير اشتراط.
ولنا: أن العمل أحدُ ركني المضاربة، فجاز أن ينفرد به أحدهما، مع وجود الأمرين من الآخر، كالمال.
وقولهم: إن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى العامل: ممنوع، إنما تقتضي إطلاق التصرف في مال غيره، بجزء مشاع من ربحه، وهذا حاصل مع اشتراكهما في العمل، ولهذا لو دفع ماله إلى اثنين مضاربة: صح، ولم يحصل تسليم المال إلى أحدهما" انتهى.
والربح في هذه الشركة يكون بحسب الاتفاق، وأما الخسارة فعلى صاحب المال.
قال ابن عبد البر رحمه الله:"ولا خلاف بين العلماء أن المقارض [أي المضارب] مؤتمن، لا ضمان عليه فيما يتلفه من المال، من غير جناية منه فيه، ولا استهلاك له، ولا تضييع؛ هذه سبيل الأمانة، وسبيل الأمناء.
وكذلك أجمعوا أن القِراض لا يكون إلا على جزء معلوم من الربح، نصفا كان، أو أقل، أو أكثر. ذكر عبد الرزاق عن قيس بن الربيع عن أبي حصين عن الشعبي عن علي - رضي الله عنه - قال في المضاربة: " الوضيعة [أي: الخسارة] على رب المال، والربح على ما اصطلحوا عليه". ورواه الثوري، عن ابي حصين عن علي، وروي ذلك عن قتادة وابن سيرين وأبي قلابة وجابر بن زيد وجماعة، ولا أعلم فيه خلافا " انتهى من "الاستذكار" (21/ 124).
وقال ابن القطان رحمه الله: "وأجمعوا: أن لا خُسْرانَ على العامل، إن تلف المال، من مال الدافع " انتهى من "الإقناع في مسائل الإجماع" (2/ 200).
وعليه: فلا حرج فيما تقوم به من إشراك غيرك في العمل معك، مقابل جزء من الربح، تتفقان عليه ، ولا خسارة عليه، إن حصلت خسارة في رأس المال.
والله أعلم.