الحمد لله.
أولًا :
" النبي في لغة العرب مشتق من النبأ وهو الخبر ، قال تعالى: عَمَّ يَتَسَاءلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيم النبأ/ 1 - 2 .
وإنّما سمّي النبي نبيّاً لأنه مُخْبرٌ مُخْبَر ، فهو مُخْبَر ، أي : أنَّ الله أخبره ، وأوحى إليه : قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ التحريم/ 3 .
وهو مُخْبرٌ عن الله تعالى أمره ووحيه نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ الحجر: 49] ، وَنَبّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الحجر/ 51 .
وقيل: النبوة مشتقة من النَّبْوَة ، وهي ما ارتفع من الأرض ، وتطلق العرب لفظ النبي على علم من أعلام الأرض التي يهتدى بها.
والمناسبة بين لفظ النبي والمعنى اللغوي ، أنَّ النبي ذو رفعة وقدر عظيم في الدنيا والآخرة ، فالأنبياء هم أشرف الخلق ، وهم الأعلام التي يهتدي بها الناس فتصلح دنياهم وأخراهم ".
انظر : "الرسل والرسالات لعمر الأشقر" (13).
قال "ابن تيمية" : " والنبوة مشتقّة من الإنباء.
والنبيّ فعيلٌ ، وفعيل قد يكون بمعنى فاعل ؛ أي منبئٌ ، وبمعنى مفعول ؛ أي مُنْبَأٌ .
وهما هنا متلازمان ؛ فالنبي الذي ينبئ بما أنبأه الله به، والنبي الذي نبّأه الله، وهو منبأ بما أنبأه الله به " انظر : "النبوات" لابن تيمية (2/ 873).
فالحاصل أن " النبوة واسطة بين الخالق والمخلوق في تبليغ شرعه، وسفارة بين الملك وعبيده، ودعوة من الرحمن الرحيم - تبارك وتعالى – لخلقه، ليُخرجهم من الظلمات إلى النور، وينقلهم من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة .
فهي نعمة مهداة من الله - تبارك وتعالى - إلى عبيده، وفضل إلهيّ يتفضّل بها عليهم .
هذا في حقّ المرسَل إليهم .
أما في حقّ المرسَل نفسه، فهي امتنان من الله يمنّ بها عليه ، واصطفاء من الربّ له من بين سائر النّاس ، وهبة ربانيّة يختصّه الله بها من بين الخلق كُلّهم .
والنبوة لا تُنال بعلم ولا رياضة ، ولا تدرك بكثرة طاعة أو عبادة ، ولا تأتي بتجويع النفس أو إظمائها كما يظنّ من في عقله بلادة .
وإنّما هي محض فضل إلهيّ ، ومجرّد اصطفاء ربانيّ ، وأمر اختياريّ ؛ فهو جلّ وعلا كما أخبر عن نفسه : ( يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) [البقرة، 105] .
فالنبوة إذاً لا تأتي باختيار النبيّ، ولا تنال بطلبه " .
انتهى من "مقدمة تحقيق كتاب النبوات" (1/ 19).
ثانيًا :
يطلق الوحي في اللغة على الإعلام في خفاء وسرعة ، وهو بهذا المفهوم يشمل الوحي العام، والوحي الخاص .
وهو قسمان: عام، وخاص .
القسم الأول: الوحي العام .
فالوحي العام يشمل: الإشارة ، والإيماء ، والإلهام ، ويشمل أيضًا ما إذا كان الإعلام من الخير أو الشر.
فمن أنواع الوحي العام:
1- الإلهام، والمقصود به: الإلهام الفطري .
ومنه: ما وقع لأم موسى عليه السلام، قال تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ القصص/7 .
ومنه: ما حصل للحواريين، كما قال تعالى: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ المائدة/ 111 .
وقد يقع الإلهام لبعض المخلوقات، كما أخبر الله عن النحل، قائلًا: وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ النحل: 68].
2- ما يلقيه الله تعالى لملائكته، قال تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ الأنفال/12 .
3- ويطلق الوحي بهذا المفهوم على فعل بعض المخلوقين، كما قال سبحانه عن زكريا عليه السلام، فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا مريم/ 11 ، فالمعنى: أشار إليهم أن يسبحوا الله بكرة وعشيًا .
3- ويطلق الوحي بهذا المفهوم على ما يلقيه الشياطين إلى أوليائهم، قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ الأنعام/ 112 .
القسم الثاني: الوحي بالمفهوم الخاص، (الاصطلاح الشرعي) :
أما الوحي بالمفهوم الشرعي، فيطلق على " إعلام الله لنبي من أنبيائه، بكيفية معينة، بنبوته، وما يتبعها من أوامر ونواه وأخبار ".
وهذا الوحي بالمفهوم الشرعي له أنواع متعددة، ذكر الله تعالى أعلاها في قوله: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ الشورى/51.
هذه مقامات الوحي بالنسبة إلى جناب الله عز وجل:
1- فتارة يقذف في روع النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا، لا يتمارى فيه أنه من الله عز وجل، وهذا يقع يقظة ومنامًا.
2- وتارة يقع بتكليم الله عز وجل مباشرة من وراء حجاب، كما حصل لموسى عليه السلام .
3- وتارة يقع بتكليم المَلَك، وبهذه الطريقة وقع نزول القرآن، فقد نزل به جبريل عليه السلام .
وينظر تفاصيل مهمة حول ذلك في جواب السؤال رقم : (150936) .
ثالثًا :
ورد في بعض الأحاديث شيء من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، حين ينزل عليه الوحي ، ومن هذه الأحاديث :
1- عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا رسول الله ، كيف يأتيك الوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول قالت عائشة رضي الله عنها: "ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد عرقًا" البخاري (2) .
[(صلصلة) هي صوت الحديد إذا حرك وتطلق على كل صوت له طنين. والمشبه هنا صوت الملك بالوحي. (فيفصم) يُقْلِع، ويذهب. (وعيت) فهمت وحفظت. (ليتفصد) يسيل، مبالغة من كثرة عرقه].
2- عن ابن عباس في قوله تعالى: "لا تحرك به لسانك لتعجل به [القيامة: 16] قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه - فقال ابن عباس: فأنا أحركهما لكم، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما، وقال سعيد: أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما، فحرك شفتيه - فأنزل الله تعالى: لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه [القيامة: 17] . قال: جمعه لك في صدرك، وتقرؤه. فإذا قرأناه فاتبع قرآنه [القيامة: 18] قال: فاستمع له وأنصت. ثم إن علينا بيانه [القيامة: 19]: ثم إن علينا أن تقرأه.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه" رواه البخاري (5) .
ينظر : "الدليل إلى القرآن"، للشيخ عمرو الشرقاوي (29 - 35) .
وينظر جواب السؤال رقم : (13488) ، ورقم : (10013) .
والله أعلم