الحمد لله.
أولا:
لقد وقعت في مصائب عظيمة قادك إليها التعرف على هذه الفتاة والتساهل في هذه العلاقة، حتى صرت لا تبصر أمامك، بل تفعل ما يطلب منك؛ لقد أعماك الهوى، وأصمك، حتى صرت كالمسحور، لا تبصر أمامك، ولا تدري، ما تقول، ولا ما يقال لك .
قال الله تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ الجاثية/23.
وهذا أيضا من أدل الأدلة على تحريم إقامة العلاقات بين الرجال والنساء، وصدق الله تعالى إذ يقول: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ النور/21.
ثانيا:
لا حرج في زواج الكتابية إذا كانت عفيفة، لقوله تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ المائدة/5.
لكن الزواج من مسلمة أولى.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "فإذا كانت الكتابية معروفة بالعفة والبعد عن وسائل الفواحش جاز؛ لأن الله أباح ذلك وأحل لنا نساءهم وطعامهم.
لكن في هذا العصر يُخشى على من تزوجهن شر كثير، وذلك لأنهن قد يدعونه إلى دينهن، وقد يسبب ذلك تنصر أولاده، فالخطر كبير، والأحوط للمؤمن ألا يتزوجها، ولأنها لا تؤمن في نفسها في الغالب من الوقوع في الفاحشة، وأن تعلّق عليه أولادا من غيره ... لكن إن احتاج إلى ذلك فلا بأس حتى يعف بها فرجه ويغض بها بصره، ويجتهد في دعوتها إلى الإسلام، والحذر من شرها وأن تجره هي إلى الكفر أو تجر الأولاد" انتهى نقلا عن" فتاوى إسلامية" (3/ 172).
ثالثا:
لا يجوز إجراء عقد الزواج في الكنيسة لما يلزم منه من سماع الكفر وعدم إنكاره؛ وقد قال تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً النساء/140 .
ولأنهم قد يلزمون المسلم بقول، أو فعل محرم في الإسلام، وانظر ماذا حدث معك، من توقيعك على الأوراق التي تتضمن شرطا باطلا، محرما، شنيعا: أن تقبل أن يتنصر أولادك؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم!!
رابعا:
تصريحك بأنه لا مانع أن يكون أولادك مسيحيين، ثم توقيعك على ذلك: كفر بالله تعالى، وردة عن الإسلام؛ لما فيه من الرضا بالكفر لأولادك.
وكان يجب أن تنكر ذلك وتأباه غاية الإباء، وتدع هذا الزواج المشؤوم الذي أوقعك فيما أوقعك فيه؛ ولم تضق الدنيا عليك، يا عبد الله ؛ لو كنت ذا عين ترى!!
والعجب أن المرأة الكافرة تقول لك: إنه حرام في دينها أن يصير أولادها مسلمين، وأنت تقول: لا مانع عندي أن يكونوا مسيحيين!!
فالنصرانية أحرص على دينها، أو على ما أخبروها أنه دينها ؛ وها أنت ذا تفعل ما تفعل، وتنقاد إلى هواك...
فانظر كيف أعماك التعلق بامرأة عن معرفة الكفر والفرار منه.
ثم ها أنت تنقاد ذليلا لتوقع على ذلك، ثم تذهب امرأتك لتعميد ابنتك، وأنت جامد لا تتحرك فيك نخوة، ولا عقيدة، فنعوذ بالله من شؤم المعصية التي أوصلتك إلى هذا.
خامسا:
الواجب عليك التوبة من هذه الردة، والرجوع إلى الإسلام، وتشهد الشهادتين، والسعي الجاد لإنقاذ ابنتك من الدخول في النصرانية.
ولا عبرة بالتعميد، ولا يترتب عليه شيء بالنسبة للطفلة، فهي على الفطرة إلى أن تبلغ، لكن الواجب أن تجد الوسيلة لأخذها إلى بلاد المسلمين، وتنشئتها على الإسلام.
وإن كان قد سُجل في بياناتها الرسمية أنها نصرانية، فالواجب تغيير ذلك.
وهذه القضية تحتاج منك إلى حكمة في علاجها، واستشارة من تثق به من المسلمين حيث تقيم، لتتمكن من أخذ ابنتك، ومنعها من التنصر بكل سبيل.
وإذا كانت زوجتك محبة لك، حريصة على البقاء معك، فأعلمها أنه لا يمكنك القبول بتنصر الأولاد، وأنها إن أصرت على ذلك فستطلقها.
لكن لتكن هذه الخطوة بعد دراسة الاحتمالات المتوقعة، والبحث عن وسيلة لأخذ ابنتك في حال رفض أمها ما ذكرنا.
وأنت مسئول عن هذه البنت، وعن كفرها إذا دخلت النصرانية.
فبادر بإنقاذها، وإنقاذ نفسك.
والله أعلم.