الحمد لله.
أولا :
إذا قام المصلي (إماما كان أو منفردا) إلى ركعة خامسة ، ثم ذكر فإنه يرجع إلى التشهد ، ويجب عليه سجود السهو من أجل الزيادة التي زادها في الصلاة ، وذلك إذا فارق القعود ، أما
إذا تذكر قبل أن يفارق القعود ، فلا سهو عليه ، لعدم الزيادة في الصلاة .
قال ابن قاسم في "حاشية الروض المربع" (2/164) :
"وإن فارقت أليتاه عقبيه لزمه السجود للسهو، وإلا فلا" انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (3/378) :
"إذا تذكر قبل أن ينهض. قال بعض العلماء: أي قبل أن تفارق فخذاه ساقيه، وبعضهم قال: قبل أن تفارق ركبتاه الأرضَ، والمعنى متقارب؛ لأنه إذا فارقت ركبتاه الأرضَ فقد نهضَ، وإذا فارقت أليتاه ساقيه فقد نهضَ أيضاً، لكن إذا ذَكَرَ قبل أن ينهض فإنه يستقر، وليس عليه سجود سهو" انتهى .
ثانيا :
إذا سها الإمام في الصلاة وكان عليه سجود سهو ولكنه سلم ولم يسجد ، فإن المأموم يتابعه في التسليم ، لاحتمال أن يكون الإمام أخر سجود السهو إلى ما بعد التسليم ، فإن لم يسجد بعد التسليم، فقد ذهب جمهور العلماء –وهو الراجح- أن المأموم يسجد للسهو ، جبرا للخلل الذي حصل في الصلاة .
قال النووي في "المجموع" (4/135) : "وإن ترك الإمام سجود السهو، أو التسليمة الثانية: أتى به المأموم، لأنه يفعله بعد انقضاء القدوة" انتهى .
وقال ابن قدامة في "المغني" (2/441) : "غير المسبوق: إذا سها إمامه فلم يسجد , فهل يسجد المأموم ؟
فيه روايتان : إحداهما , يسجد , وهو قول ابن سيرين , والحكم , وحماد وقتادة ومالك , والليث , والشافعي , وأبي ثور . قال ابن عقيل : وهي أصح ; لأن صلاة المأموم نقصت بسهو الإمام , ولم تنجبر بسجوده , فيلزم المأموم جبرها .
والثانية : لا يسجد . روي ذلك عن عطاء , والحسن , والنخعي , والقاسم وحماد بن أبي سليمان , والثوري , وأصحاب الرأي ; لأن المأموم إنما يسجد تبعا , فإذا لم يسجد الإمام لم يوجد المقتضي لسجود المأموم" انتهى .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
س: إذا صلى الإمام الصلاة وقام ولم يتشهد التشهد الأول ونبه ولم يرجع وعندما سلم من الصلاة نبه وسلم ولم يسجد وبعد السلام قال له بعض المأمومين لِمَ لمْ تسجد ؟ فقال ذهب محله ، فماذا عليه ؟ هل عليه الإعادة لأنه ترك واجبا عمدا ، وإذا كان جاهلا والمأمومون يجهلون الحكم فماذا عليهم؟
فأجاب :
"التشهد الأول إذا تعمد المصلي تركه بطلت صلاته في أصح قولي العلماء إذا كان عالما بالحكم ذاكرا ، فإن كان جاهلا فلا شيء عليه ، وإن تركه ناسيا وجب عليه السجود للسهو ، فإن تعمد تركه بطلت صلاته ، أما إذا نسي وسلم قبل أن يسجد ثم نبه أو ذكر فإنه يجب عليه أن يسجد بعد السلام للسهو ، ثم يسلم ، كالحال في سجود السهو الذي محله بعد السلام .
فإن لم يفعل فقد اختلف في بطلان الصلاة بذلك ، أي بترك سجود السهو بعد السلام ، سواء كان محله بعد السلام أو قبله فنسيه ، فصار بعد السلام ، قال أبو محمد بن قدامة رحمه الله في المغني : "فإن ترك الواجب عمدا فإن كان قبل السلام بطلت صلاته ؛ لأنه أخل بواجب في الصلاة عمدا ، وإن ترك الواجب بعد السلام لم تبطل صلاته ؛ لأنه جبر للعبادة خارج منها فلم تبطل بتركه كجبرانات الحج ، وسواء كان محله بعد السلام أو قبله فنسيه فصار بعد السلام ، وقد نقل عن أحمد ما يدل على بطلان الصلاة ، ونقل عنه التوقف" انتهى المقصود.
وبهذا يعلم أن الصواب صحة الصلاة، وعدم وجوب الإعادة على الجميع، إلا إذا كان الإمام قد تعمد الترك لما يشرع الإتيان به قبل السلام، مع العلم بالحكم الشرعي ، فإنها تلزمه الإعادة لكونه ترك واجبا بدون عذر شرعي .
أما المأموم فعليه أن يسجد للسهو إذا لم يسجد إمامه بعد السلام، في قول الأكثرين، كما في المغني ؛ لأن السهو ينقص صلاة الجميع ، فإذا لم يسجد الإمام لجبران النقص الحاصل بالسهو ، وجب على المأموم السجود ، سواء سجدوا فرادى أو عينوا من يؤمهم في ذلك ؛ لأن الإمام لما امتنع من الواجب انقطعت تبعيتهم له ، ووجب عليهم الاستقلال بأداء الواجب، كما لو سلم عن نقص، ونبهوه؛ فلم يرجع للصواب؛ فإنه يلزمهم أن يكملوا صلاتهم فرادى أو بإمام منهم، لوجوب تكميل الصلاة على الجميع ، فلما امتنع منه الإمام انقطعت تبعيتهم له ، فإن لم يسجدوا لم تبطل صلاتهم ؛ لأنه واجب خارج الصلاة، فلم تبطل الصلاة بتركه، كالأذان والإقامة وكجبرانات الحج والله سبحانه وتعالى أعلم" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (11/279) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"مسألة: لو كان الإِمامُ لا يرى وجوب سجود السَّهو، والمأموم يرى وجوب سجود السَّهو مثل: التشهُّد الأول، فإن بعض العلماء يرى أنه سُنَّة كما هو مذهب الشافعي، وليس بواجب، فإذا تَرَكَه الإِمام ولم يسجد للسَّهو بناءً على أنه سُنَّة، وأن السُّنَّة لا يجب لها سجود السَّهو، فهل على المأموم - الذي يرى أنَّ سجودَ السَّهو واجبٌ - سجودٌ؟
الجواب: لا؛ لأن إمامه يرى أنه لا سجود عليه، وصلاته مرتبطة بصلاة الإِمام، وهو لم يحصُل منه خلل، فالمأموم يجب أن يتابع الإِمام، وقد قام بما يجب عليه.
أما لو كان الإِمام يرى وجوب سجود السَّهو وسَبَّح به للسُّجود، ولكنه لم يسجد، فقال الفقهاء رحمهم الله : يسجد المأموم إذا أيسَ من سجود إمامه، لأن صلاته مرتبطة بصلاة الإِمام، والإِمام فَعَلَ ما يوجب السُّجود، وتَرَكَ السُّجود من غير تأويل، فوجب على المأموم أن يجبر هذا النقص ويسجد" انتهى من "الشرح الممتع" (3/391) .
والله أعلم .