هل يصح وصف الرب سبحانه بأن له أعوانا، فقد وجدت ذلك في كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" في المجلد الخامس، فتوقفت عند اللفظ نظراً لأصله اللغوي ؟
الحمد لله.
أولًا :
الله سبحانه وتعالى غني عن العالمين ، لا يحتاج إلى أحد من خلقه ، وخلقه في حاجة إليه ، قال سبحانه : قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ. وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ سبأ/22-23 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ومعلوم أن الله غني عن كل ما سواه ، وكل ما سواه فقير إليه من كل وجه ، فهو الصمد المستغني عن كل شيء ، وكل شيء مفتقر إليه .
فمن قال : إنه مفتقر إلى مخلوق بوجه ما ، فهو كاذب مفتر كافر " انتهى من"الجواب الصحيح": (4/ 377).
والله تعالى لا يحتاج إلى أعوان يفتقر إليهم ، بل هو سبحانه الفعال لما يريد .
ثانيًا :
أما السؤال عن كلام " ابن تيمية " فنحن نسوقه أولًا ، فقد قال ابن تيمية في تفسير قوله تعالى : ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْكُمْ ) :
" فإن مثل هذا اللفظ: إذا ذكره الله تعالى في كتابه، دل على أن المراد أنه سبحانه يفعل ذلك، بجنوده وأعوانه من الملائكة ؛ فإن صيغة (نحن): يقولها المتبوع المطاع العظيم، الذي له جنود يتبعون أمره، وليس لأحد جند يطيعونه، كطاعة الملائكة ربهم، وهو خالقهم وربهم ، فهو سبحانه العالم بما توسوس به نفسه وملائكته تعلم ؛ فكان لفظ نحن هنا هو المناسب "، انتهى من "مجموع الفتاوى" (5/ 507).
وقال: " فهذه الصيغة في كلام العرب: للواحد العظيم الذي له أعوان يطيعونه ، فإذا فعل أعوانه فعلًا بأمره ، قال : نحن فعلنا ، كما يقول الملك : نحن فتحنا هذا البلد ، وهزمنا هذا الجيش ، ونحو ذلك ؛ لأنه إنما يفعل بأعوانه .
والله تعالى رب الملائكة ، وهم لا يسبقونه بالقول ، وهم بأمره يعملون ولا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون .
وهو مع هذا خالقهم ، وخالق أفعالهم وقدرتهم ، وهو غني عنهم .
وليس هو كالملك الذي يفعل أعوانه ، بقدرة وحركة يستغنون بها عنه .
فكان قوله لما فعله بملائكته : (نحن فعلنا): أحق وأولى من قول بعض الملوك " انتهى من"مجموع الفتاوى" (5/ 233).
وأنت إذا تأملت كلامه ، وجدت أنه يقرر أن الله غني عنهم ، وأنه الخالق لهم ولأفعالهم ، وإنما أراد بقوله : "أعوانه" أي: أنهم يفعلون بأمره ، ويطيعونه سبحانه وبحمده .
فالأعوان بالنسبة للخلق ، أعوان على الحقيقة يتصرفون بأنفسهم ، وذلك لعجز الخلق ، وحاجتهم للإعانة .
أما الأعوان بالنسبة للرب الخالق ، فمعناه : المطيعون لأمره ، المتصرفون بمشيئته وتدبيره . وهذا ظاهر جدا من كلام الشيخ رحمه الله.
ولعل شيخ الإسلام إنما تسمح في ذلك الإطلاق، لبيان المراد من الضمير (نحن)، أو (المشاكلة) في اللفظ على جهة التفسير والبيان.
ثالثًا :
ورد هذا التعبير في بعض الآثار ، من قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، كتب به إلى جيش المسلمين قبل معركة اليرموك ، وهي - وإن كانت ضعيفة - إلا أن المقصد من إيرادها = بيان أن للفظ من الوجوه المحتملة لمعانٍ صحيحة ما يمكن حمله عليها ، ولذلك رواه أئمة أجلاء من أهل السنة ، ولم يستنكروه ، فقد ورد في "تاريخ الطبري" (3/ 393): " فإنكم أعوان الله ، والله ناصر من نصره ، وخاذل من كفره ، ولن يؤتى مثلكم من قلة "، انتهى . وذكره ابن كثير رحمه الله في "البداية والنهاية" (9/ 547).
فمعنى "أعوان الله" هنا : أي جنده ، تقاتلون في سبيله ، وتنصرون دينه ، وتطيعون أمره ... ونحو ذلك من المعاني الصحيحة .
والله أعلم.