الحمد لله.
فإن قصة الصحابي الجليل زياد بن السكن قصة جاءت بإسناد حسن إن شاء الله .
أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (8/314) ، وابن المبارك في "الجهاد" (88) ، والطبري في "تاريخه" (2/515) ، وأبو القاسم عبد الرحمن بن منده في "المستخرج من كتب الناس للتذكرة" (1/341) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (3/234) ، جميعا من طريق محمد بن إسحاق ، قال : حَدَّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا لَحَمَهُ الْقِتَالُ يَوْمَئِذٍ ، يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ ، وَخُلِصَ إِلَيْهِ , وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ثَقُلَ ، وَظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ يَوْمَئِذٍ ، وَدَنَا مِنْهُ الْعَدُوُّ ، فَذَبَّ عَنْهُ الْمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ حَتَّى قُتِلَ ، وَأَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِ الْجِرَاحَةُ ، وَأُصِيبَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَثُلِمَتْ رَبَاعِيَتُهُ ، وَكُلِمَتْ شَفَتُهُ ، وَأُصِيبَتْ وَجْنَتُهُ .
فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: مَنْ رَجُلٌ يَبِيعُ لَنَا نَفْسَهُ ؟
فَوَثَبَ فِتْيَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ خَمْسَةٌ ، فِيهِمْ: زِيَادُ بْنُ السَّكَنِ ، فَقُتِلُوا ، حَتَّى كَانَ آخِرَهُمْ زِيَادُ بْنُ السَّكَنِ , فَقَاتَلَ حَتَّى أُثْبَتَ ، ثُمَّ ثَابَ إِلَيْهِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَاتَلُوا عَنْهُ حَتَّى أَجْهَضُوا عَنْهُ الْعَدُوَّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَدْنِ مِنِّي ، وَقَدْ أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ .
فَوَسَّدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَمَهُ ، حَتَّى مَاتَ عَلَيْهَا ، وَهُوَ زِيَادُ بْنُ السَّكَنِ ".
وإسناده حسن إن شاء الله .
محمد بن إسحاق حديثه حسن إن صرح بالتحديث ، وهنا قد صرح بالتحديث .
والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ : حسن الحديث أيضا .
قال فيه أبو داود :" حسن الحديث " انتهى من "تهذيب التهذيب" (2/381) ، ووثقه الذهبي في "الكاشف" (1123) ، والسخاوي في "التحفة اللطيفة" (1007) .
وأما محمود بن عمرو بن يزيد بن السكن : فإنه مستور ، روى عنه اثنان ، ولم يوثقه أحد ، وهو من طبقة كبار التابعين .
قال ابن حجر في "نزهة النظر" (ص121) :" إنْ روى عنه اثنان فصاعداً ، ولم يُوَثَّقْ: فهو مجهول الحال ، وهو المستور "انتهى.
ومجهول الحال لا يحتج بحديثه ، إلا إن كان من طبقة كبار التابعين ، ولم يخالف أو يأتِ بما يستنكر عليه ، فحديثه حسن إن شاء الله ، وهذا صنيع ابن كثير والذهبي وابن القيم والشيخ الألباني رحمهم الله تعالى .
قال الذهبي في خاتمة كتابه "ديوان الضعفاء" (ص477) :" وأما المجهولون من الرواة : فإن كان الرجل من كبار التابعين ، أو أوساطهم : احتمل حديثه ، وتلقي بحسن الظن ، إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ " انتهى.
وقال ابن كثير في "اختصار علوم الحديث" (ص97) :" فأما المبهم الذي لم يسم ، أو من سمي ، ولا تعرف عينه : فهذا ممن لا يَقبل روايته أحد علمناه .
ولكنه إذا كان في عصر التابعين ، والقرون المشهود لهم بالخير: فإنه يُستأنس بروايته ، ويُستضاء بها في مواطن ، وقد وقع في مسند الإمام أحمد وغيره من هذا القبيل كثير " انتهى.
وهكذا فعل ابن القيم في رده على ابن القطان تضعيف حديث بجهالة حال تابعية ، فقال كما في "حاشيته على سنن أبي داود" (5/349) :" قال ابن القطان : وعندي أنه ضعيف ، لأنه من رواية يوسف بن ماهَك ، عن أمه مُسيكة ، وهي مجهولة ، لا نعرف روى عنها غير ابنها .
قال ابن القيم : والصواب تحسين الحديث ، فإن يوسف بن ماهك من التابعين ، وقد سمع أم هانئ وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو ، وقد روى عن أمه ، ولم يعلم فيها جرح .
ومثل هذا الحديث حسن عند أهل العلم بالحديث ، وأمه تابعية قد سمعت عائشة ". انتهى
قال الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1/618) :" ومن مذهب بعض المحدثين ، كابن رجب وابن كثير : تحسين حديث المستور من التابعين ". انتهى
وهذا الحديث من المغازي والسير ، ومعلوم أن أهل العلم لا يشددون في مثل هذه الأحاديث التي لا ينبني عليها حكم ؛ بل يتجوزون في أحاديث السير والمغازي المعروفة عند أهلها : ما لا يتجوزون في أسانيد غيرها .
ولذا فهذا الحديث من قبيل الحسن إن شاء الله ، والله أعلم .