الحمد لله.
أولا:
أخرجه ابن أبي الدنيا في "الرقة والبكاء" (307) ، وأحمد بن منيع في "مسنده" كما في "المطالب العالية" (215) ، وابن المنذر في "الأوسط" (779) ، وأبو الشيخ في "العظمة" (5/1583) ، والحاكم في "المستدرك" (3437) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (5407) ، جميعا من طريق عباد بن العوام ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: " لَمَّا أَكَلَ آدَمُ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ عَصَيْتَنِي؟ قَالَ: رَبِّ زَيَّنَتْهُ لِي حَوَّاءُ . قَالَ: فَإِنِّي أَعْقَبْتُهَا أَنْ لَا تَحْمِلَ إِلَّا كُرْهًا ، وَلَا تَضَعَ إِلَّا كُرْهًا . وَدَمَّيْتُهَا فِي الشَّهْرِ مَرَّتَيْنِ . فَلَمَّا سَمِعَتْ حَوَّاءُ ذَلِكَ رَنَّتْ . فَقَالَ لَهَا: عَلَيْكِ الرَّنَةُ وَعَلَى بَنَاتِكِ ".
وإسناده صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنهما .
قال ابن حجر في "المطالب العالية" (215) :" هذا موقوف صحيح الإسناد ". انتهى
إلا أن في النفس منه شيئا ، فإن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان ممن أخذ عن كعب الأحبار ، وهو ينقل عن بني إسرائيل ، فيُخشى أن يكون ذلك مما أخذه عن كعب الأحبار .
والحافظ ابن كثير قد نقل عدة آثار عن ابن عباس رضي الله عنهما ، إلا أنه توقف في الاحتجاج بها لأجل هذه العلة .
قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (1/21) :" وَهُوَ مَحْمُولٌ إِنْ صَحَّ نَقْلُهُ عَنْهُ على أنه أخذه ابن عباس رضى الله عنه عَنِ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ " انتهى .
وقال ابن كثير أيضا في "تفسير القرآن العظيم" (5/293) :" أخرجه أبو جعفر بن جرير ، وابن أبي حاتم في تفسيريهما ، كلهم من حديث يزيد بن هارون به . وهو موقوف من كلام ابن عباس ، وليس فيه مرفوع إلا قليل منه ، وكأنه تلقاه ابن عباس ، رضي الله عنه مما أبيح نقله من الإسرائيليات عن كعب الأحبار أوغيره " انتهى.
وقال في "تفسيره" أيضا (7/69) :" إسناده إلى ابن عباس قوي ، ولكن الظاهر أنه إنما تلقاه ابن عباس - إن صح عنه - من أهل الكتاب " انتهى.
وقد نص ابن الصلاح في مقدمته "علوم الحديث" (ص182) ، أن العبادلة ممن رووا عن كعب الأحبار .
وقال شيخ الإسلام في "الرد على البكري" (2/581) :" فلما رخص في الحديث عن بني إسرائيل استجاز ذلك عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس ". انتهى.
وقد سبق بيان ذلك أيضا في جواب السؤال رقم : (290591) .
ثانيا:
مما يقوي أن هذا الأثر لا يصح مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ويرجح جانب تلقيه عن بني إسرائيل: أن قوله فيه : ( ودميتها في الشهر مرتين ) : مخالف لعادة النساء الغالبة أنها تحيض في الشهر مرة واحدة .
وقال البغوي في "التهذيب في فقه الشافعي" (6/238) :" والغالب من عادات النساء أنهن يحضن في كل شهر مرة ". انتهى.
وقال ابن نجيم في "البحر الرائق" (1/223) :" الْغَالِبُ أَنَّ النِّسَاءَ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً ". انتهى
وليس معنى ذلك انتفاء أن تحيض المرأة أكثر من مرة في الشهر ، بل قد تحيض المرأة ثلاث حيض في الشهر ، إلا أن هذا نادر .
فقد بوب الإمام البخاري في "صحيحه" فقال :" باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض ".
وقال ابن رجب في "فتح الباري" (2/145) :" وأما ما ذكره البخاري عَن عطاء والنخعي: فروى ابن المبارك ، عَن ابن لهيعة ، عَن خالد بنِ يزيد ، عَن عطاء في امرأة طلقت ، فتتابعت لها ثلاث حيض في شهر: هل حلت ؟ قالَ: أقراؤها ما كانت .
وروي نحوه عَن النخعي ، كَما حكاه البخاري ، وحكاه عَنهُ إسحاق بن راهويه .
فهؤلاء كلهم يقولون: إن المرأة قَد تنقضي عدتها بثلاثة أقراء في شهر واحد ، وَهوَ قول كثير مِن العلماء، مِنهُم: مالك ، وأحمد ، وإسحاق وغيرهم ". انتهى.
لذا : فنرى أنه مع صحة الإسناد إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، إلا أنه لا يأخذ حكم المرفوع ، لاحتمال أن يكون أخذه عن كعب الأحبار.
ولمزيد إيضاح حول معنى ما جاء في الأثر من قوله :" زينته لي حواء ". يمكن مراجعة جواب السؤال رقم : (275776) .
والله أعلم .