الحمد لله.
كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس عامة، كما جاء مصرحا بذلك في الآيات والأحاديث.
وموسى عليه الصلاة والسلام كان مبعوثا لبني إسرائيل، ولكنهم كانوا مستضعفين من قبل فرعون وملئه ، فكان لابد في تحريرهم من التوجه إلى فرعون ، واقتضى ذلك دعوته إلى التوحيد أولاً؛ لإثبات أن موسى رسول من عند الله، ليترك له بني إسرائيل.
قال تعالى: (وَقَالَ مُوسَى يَافِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) الأعراف/104، 105
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (3/ 454): " فأرسل معي بني إسرائيل أي: أطلقهم من أسرك وقهرك، ودعهم وعبادة ربك وربهم؛ فإنهم من سلالة نبي كريم إسرائيل، وهو: يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن عليهم صلوات الرحمن" انتهى.
وقال تعالى: (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) طه/47 .
وقال: (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) الشعراء/16، 17 .
وقال: (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) الدخان/17، 18 ز
ومعنى (أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ) أي أعطوني عباد الله وهم بنو إسرائيل.
ولهذا تكرر في القرآن أن موسى أرسل إلى فرعون وملئه، وليس إلى (القبط)، والسر في ذلك أن فرعون وملأه هم المتحكمون في بني إسرائيل، والهدف هو إنقاذ بني إسرائيل وإخراجهم من مصر ومن قبضة فرعون.
قال تعالى: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ) المؤمنون/45، 46 .
قال الطاهر بن عاشور رحمه الله في "التحرير والتنوير" (18/ 63) : "وملأ فرعون: أهل مجلسه وعلماء دينه وهم السحرة. وإنما جعل الإرسال إليهم دون بقية أمة القبط ، لأن دعوة موسى وأخيه إنما كانت خطابا لفرعون وأهل دولته الذين بيدهم تصريف أمور الأمة ، لتحرير بني إسرائيل من استعبادهم إياهم. قال تعالى: (فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم) [طه: 47] .
ولم يرسلا بشريعة إلى القبط. وأما الدعوة إلى التوحيد فمقدمة لإثبات الرسالة لهم" انتهى.
فالمقصود بالرسالة بنو إسرائيل، ودعوة فرعون بالتبع، ليسلم لموسى بالرسالة، ويطلق له بني إسرائيل.
وينظر أيضا للفائدة، نقاش حول هذه المسألة:
https://vb.tafsir.net/tafsir22472/#.XQsz9-jXJPY
والله أعلم.