الحمد لله.
الواجب عليك أن تتوبي إلى الله تعالى، فإن السرقة كبيرة من كبائر الذنوب، توعد الله فاعلها باللعن، كما روى البخاري (6783) ومسلم (1687) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ .
قَالَ الْأَعْمَشُ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ بَيْضُ الْحَدِيدِ ، وَالْحَبْلُ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْهَا مَا يَسْوَى دَرَاهِمَ.
وقال تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ المائدة/38 .
ومن التوبة: رد المال إلى أصحابه أو التحلل منهم.
فإن لم يكن معك مال الآن بقي دينا في ذمتك، ومتى وجدت المال، لزمك رده إلى أصحابه بأي وسيلة، ولا يجزئك التصدق به إلا عند العجز التام عن وصول إلى صاحبة المال.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " … فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهة ما سرقةً : فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه ، وتبلغه وتقول إن عندي لكم كذا وكذا ، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه .
لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه، وأنه لا يمكن أن يذهب مثلاً إلى شخص ويقول أنا سرقت منك كذا وكذا، وأخذت منك كذا وكذا ؛ ففي هذه الحال: يمكن أن يوصل إليه هذه الدراهم - مثلاً - من طريق آخر غير مباشر ، مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له ، ويقول له هذه لفلان ، ويحكي قصته ويقول أنا الآن تبت إلى الله - عز وجل - فأرجو أن توصلها إليه .
وإذا فعل ذلك فإن الله يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق/ 2، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) الطلاق/ 4 " انتهى من " فتاوى إسلاميَّة " (4/162).
والذي ينبغي عليك الآن: أن تحتفظي بهواتف زميلاتك اللاتي سرقت منهن ، وعناوينهن، وهذا أمر لا حرج عليك فيه ، فإنه مألوف بين الزميلات ، عند افتراقهن وانتهاء دراستهن ، ومتى وجدت المال، أمكنك أن ترسليه تباعا لهن، أو تحوليه لهن عبر شركات المحمول ، أو بحوالة بريدية، أو نحو ذلك من طرق إيصال المال التي تيسرت الآن أكثر.
فإن عجزت عن معرفة الوصول إلى واحدة منهن ، فإنك تتصدقين بمالها على نية أن الصدقة عنها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "قال شيخ الإسلام رحمه الله : " المال إذا تعذر معرفة مالكه ، صرف في مصالح المسلمين عند جماهير العلماء كمالك وأحمد وغيرهما ؛ فإذا كان بيد الإنسان غصوب [ يعني : أموال مغصوبة ] أو عوارٍ [ جمع عارية : وهي ما يستعيره الإنسان من غيره ] ، أو ودائع أو رهون ، قد يئس من معرفة أصحابها ، فإنه يتصدق بها عنهم ، أو يصرفها في مصالح المسلمين ، أو يسلمها إلى قاسم عادل يصرفها في مصالح المسلمين ، المصالح الشرعية ...
وكان عبد الله بن مسعود قد اشترى جارية فدخل بيته ليأتي بالثمن ، فخرج فلم يجد البائع ، فجعل يطوف على المساكين ويتصدق عليهم بالثمن ويقول : اللهم عن رب الجارية ؛ فإن قبل فذاك وإن لم يقبل فهو لي ، وعلي له مثله يوم القيامة !!
وكذلك أفتى بعض التابعين من غل من الغنيمة ( أي : أخذ منها من غير حق ) وتاب بعد تفرقهم ، أن يتصدق بذلك عنهم ، ورضي بهذه الفتيا الصحابة والتابعون الذين بلغتهم كمعاوية وغيره من أهل الشام " انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/ 321).
والله أعلم.