الحمد لله.
أولًا :
الأذكار والأدعية التي تقال بعد الصلاة معروفة ، وقد سبق بيانها في جواب السؤال رقم : (131850) .
وليس من جملة هذه الأذكار المشروعة، أن يقال: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" ، وإنما يقال ذلك في التشهد .
وينظر كتاب "الأذكار" للنووي ، فإنه عقد بابا للأذكار التي تقال بعد الصلاة (ص66-69) ولم يذكر فيها هذا الذكر .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بعد أن يسلم من الصلاة وهو مستقبل القبلة : أستغفر الله (ثلاثا) ، اللهم أنت السلام ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام ، ثم يلتفت إلى المصلين ، ويكمل سائر الأذكار والأدعية .
روى مسلم (511) عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ ، وَمِنْكَ السَّلَامُ ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ" .
وروى مسلم (592) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إِلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ ، وَمِنْكَ السَّلَامُ ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ" .
وعلى ذلك:
فلا يشرع للمصلي أن يقول بعد صلاته: ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) ؛ بل من اعتاد أن يقول هذا الذكر الوارد في السؤال بعد التسليم من الصلاة مباشرة ، فإنه يكون تاركا للسنة ، وفاعلا لبدعة إضافية ، لأنه خصص وقتا معينا بهذا الذكر ، ولم يرد الشرع بذلك التخصيص .
قال الشاطبي رحمه الله في بيان البدعة الإضافية: " فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ...
ومنها التزام الكيفيات والهيآت المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا، وما أشبه ذلك.
ومنها التزام العبادات المعينة، في أوقات معينة، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته " انتهى من "الاعتصام" (1/ 37).
ثانيا :
يحتمل أن هذا المصلي فهم ذلك من كلام علماء المذهب المالكي – وهو المذهب الأكثر انتشارا في بلادكم- والمشهور من مذهب الإمام مالك أن المأموم يسلم ثلاث تسليمات :
الأولى : يقصد بها الخروج من الصلاة .
والثانية : يقصد بها الرد على تسليم الإمام .
والثالثة : يقصد بها الرد على تسليم مَنْ عَنْ يساره ، إن كان عن يساره أحد .
وليس في السنة ما يشهد لهذا المذهب ، وإنما دلت السنة على أن كل مصلٍّ- إماما أو مأموما أو منفردا- يسلم تسليمتين ، ولذلك ورد عن الإمام مالك رواية أخرى أن المأموم يسلم تسليمتين فقط ، واختار هذه الرواية بعض علماء المذهب المالكي .
قال أبو بكر بن العربي رحمه الله : " يسلم اثنتين : واحدة عن يمينه ، يعتقد بها الخروج من الصلاة ، والثانية عن يساره، يعتقد بها الرد على الإمام والمأمومين ، والتسليمة الثالثة احذروها ، فإنها بدعة ، لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة" نقله عنه الحطاب في "مواهب الجليل" (1/572) ، ووافقه الحطاب قائلًا : "وبنص كلامه أقول" انتهى .
وقول هذا المصلي : " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" : لا يحصل به الرد على الإمام ولا على من عن يساره – على مذهب مالك- فإنهم خيروه بين لفظين ، ليس فيهما هذا اللفظ .
قال خليل في مختصره : "وأجزأ في تسليمة الرد : سلام عليكم ، وعليكم السلام" انتهى .
قال عليش المالكي في "منح الجليل" (1/251) :
"وأشعر قوله : "وأجزأ .. " أن الأفضل كونه كسلام التحليل ، وهو كذلك " انتهى .
أي : يكون بلفظ : السلام عليكم .
وهذا هو الثابت في المدونة عن الإمام مالك رحمه الله .
ففي "المدونة" (1/226) :
"وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَلْيُسَلِّمْ عَنْ يَمِينِهِ ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ.
قَالَ: فَقُلْتُ: كَيْفَ يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ ؛ أَعَلَيْكَ السَّلَامُ ، أَمْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ؟
قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ ، وَأَحَبُّ إلَيَّ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ" انتهى .
والخلاصة :
أن ما يفعله هذا المصلي ، غير موافق للسنة ، بل غير موافق للمنقول من مذهب الإمام مالك، رحمه الله، أيضا؛ إن كان يريد أن يقلده .
والله أعلم .