رجل يمتهن الحلاقة لشعر الرأس واللحية، وأراد أداء فريضة الحج، وسأل أحد الدعاة فأجابه بأن مالك حرام، ولا يجوز لك الذهاب إلى الحج، فهل هذا صحيح؟ وهل حرمة مال الحلاقة كحرمة أموال الربا والقروض الربوية وغيرها من الأموال الحرام؟
الحمد لله.
أولا:
يحرم على الرجل حلق لحيته، أو حلق لحية غيره، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (1189).
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لدي محلات دكاكين وأريد أن أقوم بتأجيرها على بعض صوالين الحلاقة فهل في ذلك حرج ؟
فأجاب : في ذلك حرج، إذا أجرت الدكاكين للحلاقين فإنه من المعلوم حسب العادة أن الحلاقين يحلقون كل شيء ، يحلقون الرأس، ويحلقون اللحية، بل ربما كان حلق اللحى لديهم أكثر من حلق الرؤوس، هذا هو العادة والغالب.
وعلى هذا؛ فلا يجوز تأجير الدكاكين للحلاقين، إلا إذا اشترط عليهم أن لا يحلقوا فيها اللحى، فحينئذٍ لا بأس، وإذا ثبت أنه حلق لحية في هذه الدكاكين، كان لمؤجر الدكان أن يفسخ الإجارة ؛ لأن المستأجر أخل بشرطٍ صحيح لم يوفِ به .
هذا هو الجواب عن تأجير الدكاكين للحلاقة، بمعنى أنه لا يجوز أن يؤجرها للحلاقين، إلا إذا اشترط عليهم أن لا يحلقوا فيها حلقاً محرماً، كحلق اللحى.
ويدل لذلك: أن تأجيرها إعانةٌ لهم على فعل هذا المحرم، وقد قال الله تعالى ( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) .
ويدل على تحريم أجرتها: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه ) ؛ والأجرة ثمن للمنفعة التي حصل عليها المستأجر " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وعليه: فمهنة الحلاقة إن تضمنت حلق اللحية، وأخذ الأجرة على ذلك، فالمال المكتسب من هذه المهنة مال مختلط، وفيه من الحرام بقدر فعل المحرم.
ثانيا:
على هذا الحلاق أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يدع حلق اللحية، ويقتصر على حلق الرأس والشارب.
وأما الحج من المال المكتسب سابقا، فإن كان يجهل تحريم حلق اللحية، فلا حرج عليه لو حج منه.
وإن كان يعلم حرمة حلق اللحية لزمه التخلص من ثلث المال أو نصفه- على قدر فعله المحرم- ثم يحج من الباقي.
فإن حج بالمال الحرام، أو المال المختلط: فقد ذهب جماعة من الفقهاء إلى أن من حج من كسب محرم ، فإن الحج يجزئه أي يسقط به الفرض، لكنه لا يقبل.
وذهب جماعة إلى أنه لا يجزئه.
وفي "المعيار" للونشريسي (1/ 439): "وسئل بعضهم عمن حج بمال حرام، أترى ذلك مجزياً عنه ويغرم المال لأصحابه؟
فأجاب أما في مذهبنا [أي المالكية] فلا يجزئه، وأما في قول الشافعي فذلك جائز ويرد المال ويطيب له حجه انتهى.
فإذا قلنا بالإجزاء: فمذهب جماعة من المالكية والشافعية عدم القبول منهم القرافي والقرطبي من أصحابنا، والغزالي والنووي من الشافعية. قال برهان الدين: ورأيت في بعض الكتب عن مالك رحمه الله عدم الإجزاء وأنه وقف في المسجد الحرام في الحج ونادى: يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا مالك بن أنس، من حج بمال حرام فليس له حج، أو كلام هذا معناه" انتهى.
وأظهر القولين : أن حجه صحيح، فيسقط به فرضه ، ولا يطالب بإعادة الحج، إن كانت حجة الإسلام .
وإن كان قد يحرم بذلك من أن يكون حجه مبرورا ، ويخشى عليه أن يحرم من فضائل الحج، الكثيرة العظيمة، بما أنفق فيه من الكسب المحرم.
وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله:
" لقد حججت وأنا طالب في الجامعة، وأخذت مالاً من والدي لمصاريف الحج وذلك لعدم استطاعتي توفير المال بنفسي، ولكن والدي يعمل آنذاك في أعمال محرمة، وأرباحه من تلك الأعمال المحرمة، فهل حجي صحيح أو أنكم ترون علي أن أعيد تأدية الفريضة مرة أخرى؟ " .
فأجاب:
" الحج صحيح، ولا يضره كون المال فيه شبهة أو ليس بحلال؛ لأن أعمال الحج كلها بدنية، أعمال الحج كلها بدنية، وإن كانت النفقات الخبيثة تسبب شرًا كثيرًا، وقد تكون سببًا لعدم قبول الحج، وقد تكون أيضاً سبباً لقلة الحسنات وكثرة السيئات.
لكن بكل حال فالحج صحيح، وإن كان أجره ليس مثل أجر من حج من مال حلال، لكن الحج صحيح ويجزئ، وليس عليك حج بعد ذلك؛ لأن الأعمال بدنية؛ طواف، سعي، وقوف بعرفات، رمي الجمار كلها بدنية، ما فيها إلا مجرد الهدي، هدي التمتع، وهذا الهدي إذا أنفقته من مال أخذته من أبيك، وأنت تعلم حال أبيك: فالأصل الحل وأنت لا تعلم أن هذا المال حرام بعينه حتى تقول: إنك اشتريت بمال حرام، فالأصل إجزاء الذبيحة التي ذبحتها، والأصل سلامة المال حتى تعلم عين المال أنه مغصوب من فلان، أو أنه حصل عن ربا معين، يعني: حتى تتيقن أنه حرام، فما دمت لا تتيقن أنه حرام هذا المال المعين، فالأصل حل الذبيحة وأنها أدت الواجب والحمد لله.
أما إذا كنت تتيقن أن الذبيحة اشتريتها بمال حرام، فينبغي أن تشتري بدلها الآن وتذبحها عن حجك السابق، والحمد لله.نعم.
المقدم: بارك الله فيكم، إذاً: الحج كله ليس عليه إعادة فيه؟
الشيخ: نعم.. نعم، أبداً.
المقدم: بارك الله فيكم." انتهى. من :
http://bit.ly/2T9M3RJ
وينظر ما سبق في جواب السؤال رقم : (48986) .
والمال الحرام له أسباب كثيرة، فمنها العمل المحرم كالعمل في البنوك الربوية، وفي الغناء والزمر، ومنها المال المأخوذ بالغش، والرشوة، أو بالظلم كالسرقة والغصب، ومنها الفوائد الربوية، وغير ذلك من الأسباب، فمن حج بالمال الحرام فهو على خطر عظيم.
ولهذا قال بعض الأئمة :
إذَا حَجَجْت بِمَالٍ أَصْلُهُ سُحْتٌ فَمَا حَجَجْت وَلَكِنْ حَجَّتْ الْعِيرُ
لا يَقْبَلُ اللَّهُ إلا كُلَّ طَيِّبَةٍ مَا كُلُّ مَنْ حَجَّ بَيْتَ اللَّهِ مَبْرُورُ .
و(العير) الدابة التي يركبها الحاج . (أي : الحمار) .
فإنه يخشى ألا يتقبل الله تعالى حجه؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا رواه مسلم (1015).
ولعل هذا الحلاق يدرك خطر المال الحرام ويتوب إلى الله من العمل المحرم.
والله أعلم.