ما حكم أن أشترط على شخص يضع في متجري بضاعة له، وفي حال لم يتم بيعها في فترة معينة يستردها مع تحمل نفقات الشحن، أو أقوم بإتلافها؟
الحمد لله.
أولا:
لا حرج أن تتولى بيع بضاعة لغيرك، سواء فعلت ذلك مجانا، أو بأجرة معلومة، أو بنسبة من ربحها، فذلك كله جائز، وهو وكالة، أو عقد شبيه بالمضاربة والمزارعة، فيما لو بعت السلعة بجزء من ربحها.
قال في "كشاف القناع" (3/ 615) فيما يجوز تشبيها بالمساقاة والمزارعة: " وبيع متاعه بجزء مشاع من ربحه. انتهى.
ولا حرج لو كان هذا الاتفاق محددا بمدة، فإذا لم تُبع السلعة خلالها: رجعت لصاحبها وتحمل مصاريف الشحن. وتوقيت الوكالة والمضاربة جائز.
ثانيا:
لا يجوز إتلاف البضاعة في حال عدم بيعها، ما دامت صالحة، يمكن الانتفاع بها؛ للنهي عن إضاعة المال، كما روى البخاري (2408)، ومسلم (593) عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ .
وإذا لم يكن لصاحب البضاعة حاجة إليها، فليتصدق بها.
ثالثا:
إذا كان المقصود من السؤال هو ما يسمى بيع التصريف، وصورته: أن يبيع لك السلعة على شرط أنك إن تمكنت من بيعها، دفعت ثمنها له، وإن لم تتمكن من بيعها أرجعتها له، فهذا بيع محرم، كما سبق بيانه في جواب سؤال (حكم بيع التصريف)، والبديل عنه هو ما قدمنا من صورة الوكالة ، أو بيعه لصالحه مقابل جزء من الربح لك.
وبيع التصريف تناوله الفقهاء عند ذكر الشروط في البيع، وقالوا: إذا باعه بشرط: متى نفق المبيع [أي راج وتمكن من بيعه]، وإلا ردّه: فالشرط فاسد.
ووجه فساده: أنه مناف لمقتضى العقد؛ إذ مقتضاه أن السلعة للمشتري، تمكن من بيعها أو لم يتمكن.
ثم العقد هنا يشتمل على محذورين:
"الأول: اشتمال العقد على استثناء مجهول، فالعقد يحتمل رد جزء من المبيع غير معلوم المقدار، والاستثناء يجب أن يكون معلومًا؛ لأن استثناء المجهول من المعلوم، يصير المعلوم مجهولًا كما هو معلوم.
المحذور الثاني: التعليق في البيع على أمر مجهول، وذلك أن نفاذ البيع على جميع السلعة، معلق على أمر غير معلوم أثناء التعاقد، وهو نفاق السلعة لدى الناس، والتعليق في البيع على أمر مجهول لا يجوز" انتهى من "المعاملات المالية المعاصرة" للدبيان (5/ 364).
وقد اختلف الفقهاء في فساد العقد بهذا الشرط، على قولين.
قال ابن قدامة رحمه الله: " الرابع: اشتراط ما ينفي مقتضى البيع، وهو على ضرين...
الضرب الثاني: أن يشترط غير العتق، مثل أن يشترط أن لا يبيع ولا يهب ولا يعتق ولا يطأ، أو يشترط عليه أن يبيعه أو يقفه، أو متى نفق المبيع وإلا رده، أو إن غصبه غاصب رجع عليه بالثمن، وإن أعتقه فالولاء له= فهذه وما أشبهها: شروط فاسدة.
وهل يفسد بها البيع؟ على روايتين.
قال القاضي: المنصوص عن أحمد: أن البيع صحيح، وهو ظاهر كلام الخرقي ههنا، وهو قول الحسن والشعبي والنخعي والحكم وابن أبي ليلى وأبي ثور.
والثانية: البيع فاسد، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي" انتهى من "المغني" (4/ 309).
ومعتمد مذهب الحنابلة: أن العقد صحيح، مع فساد الشرط.
قال في "شرح المنتهى"(2/ 31): "النوع (الثاني: ما يصح معه البيع، كشرط ينافي مقتضاه)، أي البيع، (كـ) اشتراط مشتر (أن لا يخسر) في مبيع، (أو: نفق) المبيع، (وإلا رده) لبائعه... فالشرط فاسد، والبيع صحيح" انتهى.
وعليه: فما اشتراه المشتري بهذا الشرط الفاسد، فإنه يملكه؛ لصحة البيع، ويلغو الشرط، فسواء تمكن من بيع السلعة أو لم يتمكن، فهي سلعته، وعليه ثمنها للبائع.
والله أعلم.