الحمد لله.
أولا:
لا شك أن هذا التصرف الذي قمت به هو أمر مشروع ؛ لأنه من الإصلاح العلمي والاجتماعي، فنهي الناس عن الخداع والغش وأمرهم بالعدل في المعاملات، من مهمات الرسل وأتباعهم، قال الله تعالى عن شعيب عليه السلام: وَيَاقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ * قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ * قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ هود/85 - 88.
وقال الله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ آل عمران/104.
وعن أَبي سَعِيدٍ الخدري، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) رواه مسلم (49).
قال النووي رحمه الله تعالى:
" وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( فليغيره ) : فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة ، وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، وهو أيضا من النصيحة التي هي الدين " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (2 / 22).
وادعاء صاحبك هذا بأن هذا أمر لا يخصك، هو كلام باطل؛ لأن انتشار مثل هذه التصرفات في الأوساط الطلابية: هو فساد يرجع ضرره على الوسط العلمي، ثم بعد ذلك على الوسط العملي والمهني والاجتماعي.
عن النُّعْمَان بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا رواه البخاري (2493).
فالحاصل؛ أن ما قمت به : عمل مشروع، خاصة وأن تنبيه الأستاذ فيه نصح له ، حتى يتخذ حذره ، فلا تسرق منه الأوراق مرة أخرى، وحتى يتم تقييم الطلاب بالعدل ، وحتى يجتهد الطلاب ولا يتكاسلوا اعتمادا على سرقة الأسئلة.
ثانيا:
عداوة الطلاب لك، لا تحزنك! فهي بسبب قيامك بالحق ونصحك لهم، والناصح لا بد أن يجد من يعاديه، كما حصل مع الرسل عليهم السلام.
لكن عليك بإحسان معاملتهم وإن عادوك، ومن ذلك المحافظة على إفشاء السلام والنصح لهم بقدر استطاعتك ، فإن ذلك لابد أن يترك أثرا إن شاء الله تعالى .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ رواه مسلم (54).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ. فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ "رواه مسلم (2558).
قال النووي رحمه الله تعالى:
" (تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ ) الْمَلُّ: الرماد الحار...
ومعناه كأنما تطعمهم الرماد الحار؛ وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شئ على هذا المحسن بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته وإدخالهم الأذى عليه... " انتهى من"شرح صحيح مسلم" (16 / 115).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" فعلى الإنسان أن يصبر ويحتسب على أذية أقاربه وجيرانه وأصحابه وغيرهم، فلا يزال له من الله ظهير عليهم، وهو الرابح، وهم الخاسرون، وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة " انتهى من "شرح رياض الصالحين" (3 / 614).
ثالثا:
إخبار الإدارة أو الأساتذة بتصرفات الطلاب السيئة، ليست على درجة واحدة، بل على المسلم أن يوازن بين مصالح الإخبار ومفاسده، فأحيانا الستر هو الأصلح، خاصة إذا كانت مفسدة الذنب مقتصرة على فاعله، وأحيانا يكون الإخبار هو الأصلح إذا كان المذنب جريئا على المنكرات، ولا يبالي بعرضه ولا يقبل النصح، ومفسدة ذنبه تعود على الجميع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين، وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما " انتهى من "مجموع الفتاوى" (20 / 48).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" النبي صلى اللَّه عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر، ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبّه اللَّه ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه، وأبغض إلى اللَّه ورسوله: فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان اللَّه يبغضه ويمقت أهله ...
فإنكار المنكر أربع درجات:
الأولى: أن يزول ويخلفه ضده.
الثانية: أن يقل وإن لم يُزل بجملته.
الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله.
الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه.
فالدرجتان الأولَتَانِ مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة " انتهى من"أعلام الموقعين" (4 / 338 - 339).
فينبغي أن توازن بين المصالح والمفاسد إن تكرر هذا أو نحوه مرة أخرى .
وينبغي النظر في أهمية الاختبار ، فبعض الاختبارات تكون هامة ، وترصد درجاتها ، ويتم تقييم الطلاب بناء عليها .
وبعضها دون ذلك في الأهمية ، فقد يجري بعض الأساتذة اختبارا لمجرد حث الطلاب على المذاكرة ، أما درجات هذا الاختبار فليس لها أهمية .
فالأول هو الذي ينبغي بيان ما وقع فيه غش للمدرس ، أما الثاني : فقد يقال إن مفسدة المقاطعة التي تمت من أصحابك لك أعظم من مجرد الغش في اختبار لا أهمية كبيرة له .
والله أعلم.