هل يأخذ من مات وترك ميراثا أجرًا عما ترك أو إنه لا ينفعه إلا قبل مماته ؟
الحمد لله.
جمع المال بالتجارة وغيرهما من الطرق الجائزة مباح ، والمسلم يؤجر على المباح إن نوى به الخير؛ لأن أعمال العباد على حسب نياتهم، كما في قول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى رواه البخاري (1)، ومسلم (1907).
والناس في أموال تركاتهم على نوعين :
النوع الأول: الذي يجمع المال وفي نيته الإحسان إلى أهله ومن تحت نفقته، ليغنيهم ويحسن إليهم ، ويكف أبصارهم وأنفسهم عن التطلع إلى أموال الغير ، ويرجو في كل هذا الأجر من الله تعالى، فهذا مأجور على ما يتركه من مال لورثته، لأن هذا أحسن إلى عباد الله فيكافئه الله تعالى بالإحسان إليه بالثواب الجزيل .
قال الله تعالى: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ الرحمن/60.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" ( هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ ) أي: هل جزاء من أحسن في عبادة الخالق ونفع عبيده، إلا أن يحسن إليه بالثواب الجزيل، والفوز الكبير، والنعيم المقيم، والعيش السليم " انتهى. "تفسير السعدي" (ص 831).
وعن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الوَجَعِ وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لاَ.
فَقُلْتُ: بِالشَّطْرِ؟
فَقَالَ: لاَ .
ثُمَّ قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ - أَوْ كَثِيرٌ - إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ رواه البخاري (1295)، ومسلم (1628).
قال ابن هبيرة رحمه الله تعالى:
" وقوله: ( أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ )، دليل على أن ترك الرجل ورثته أغنياء خير من تركهم فقراء إذا أمكنه؛ لأن الخلق عيال الله، وهذا المتصدق فإنما يخرج ماله إلى بعض عيال الله عز وجل، وورثته: فهم من بعض عيال الله عز وجل، فإذا عزم على التصدق، فالأولى أن يبدأ بمن يجمع بين الصدقة عليه وبين صلة الرحم فيه من ورثته؛ ولأن الرجل كاسب لورثته في حال حياته، فقد سعى لهم مدة حياته؛ فإذا ترك لهم بعده شيئا، كان أيضا كالساعي لهم بما ترك لهم من ماله في أيديهم، فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ ) " انتهى من "الإفصاح" (1 / 325).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" ثم قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ( إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ ).
أي: كونك تُبقي المال ولا تتصدق به؛ حتى إذا مت وورثه الورثة صاروا أغنياء به، هذا خير من أن تذرهم عالة، لا تترك لهم شيئاً ( يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ ) أي: يسألون الناس بأكفهم؛ أعطونا أعطونا.
وفي هذا دليل على أن الميت إذا خلف مالاً للورثة: فإن ذلك خير له.
لا يظن الإنسان أنه إذا خلف المال، وورث منه قهراً عليه، أنه لا أجر له في ذلك! لا بل له أجر، حتى إن الرسول - عليه الصلاة والسلام - قال: ( إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً... ) ؛ لأنك إذا تركت المال للورثة انتفعوا به، وهم أقارب، وإن تصدقت به انتفع به الأباعد، والصدقة على القريب أفضل علي البعيد، لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة " انتهى من "شرح رياض الصالحين" (1 / 44 - 45).
النوع الثاني: من يجمع المال ويكدّسه بخلا به ، وتفاخرا ، ويتمنى أن لا ينتفع به أحد من أقاربه من بعده حسدا وجهلا ، خاصة إذا لم يكن له ولد، بحجة أنه تعب وهم لم يتعبوا.
فمثل هذا يخاف عليه؛ لأنه لا نية له صالحة في هذه التركة؛ وراغب عن الإحسان لأقاربه .
والله أعلم.