الحمد لله.
العشور: ما يؤخذ من تجار الكفار إذا دخلوا بلاد المسلمين.
وأما المسلمون فلا عشر عليهم في تجاراتهم، إنما تؤخذ منهم الزكاة ، وهي ربع العشر.
وقد روى أحمد (15897) عَنْ أَبِي أُمِّية ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عُشُورٌ، إِنَّمَا الْعُشُورُ عَلَى الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى)
وروى أبو داود (3046) عَنْ حَرْبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي أُمِّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا الْعُشُورُ عَلَى الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عُشُورٌ).
والحديث إسناده ضعيف، لكن عليه العمل عند الفقهاء.
وفي "الموسوعة الفقهية" (30/ 105): "يرى الفقهاء أنه لا يجوز أخذ شيء من عروض تجارة المسلمين، غير الزكاة الواجبة فيها، وليس عليهم من العشر المقرر على غير المسلمين شيء، لحديث: (إنما العشور على اليهود والنصارى، وليس على المسلمين عشور)" انتهى.
وما جاء في الأثر المسئول عنه من أن عمر رضي الله عنه جعل على أهل الإسلام ربع العشر، فالمقصود به الزكاة.
قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه في الأموال، ص636: " وَكَذَلِكَ وَجْهُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ حِينَ سُئِلَ: هَلْ عَلِمْتَ عُمَرَ أَخَذَ الْعُشْرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: لَا، لَمْ أَعْلَمْهُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِنَّمَا نَرَاهُ أَرَادَ هَذَا، وَلَمْ يُرِدِ الزَّكَاةَ، وَكَيْفَ يُنْكِرُ ذَلِكَ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ يَأْخُذُونَهَا عِنْدَ الْأَعْطِيَةِ، وَكَانَ رَأَى ابْنُ عُمَرَ دَفْعَهَا إِلَيْهِمْ؟
وَكَذَلِكَ حَدِيثُ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ حِينَ قَالَ: مَا كُنَّا نَعْشِرُ مُسْلِمًا، وَلَا مُعَاهَدًا، إِنَّمَا أَرَادَ أَنَّا كُنَّا نَأْخُذُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رُبْعَ الْعُشْرِ، وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ" انتهى.
إذا دخل الذمي بخمر أو خنزير، فهل يؤخذ منه العشر؟
في ذلك خلاف. والمروي عن عمر رضي الله عنه أنه يؤخذ منه العشر من ثمنها بعد أن يبيعوها فيما بينهم.
وهي رواية صحيحة عنه، كما قال الإمام أحمد.
" قال الميموني: قرأت على أبي عبد الله: هل على أهل الذمة إذا اتجروا في الخمر والخنزير العشر؟ أنأخذ منه؟ فأملى علي: قال عمر: ولوهم بيعها، لا يكون هذا إلا على الأخذ.
قلت: كيف إسناده؟ قال إسناده جيد" انتهى من "أحكام أهل الذمة" لابن القيم (1/ 183).
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/ 349): " واختلفت الرواية عن أحمد، في العاشر يمر عليه الذمي بخمر أو خنزير، فقال في موضع: قال عمر: ولُّوهم بيعها، لا يكون إلا على الآخذ منها. وروى بإسناده، عن سويد بن غفلة، في قول عمر: ولُّوهم بيع الخمر والخنزير بعشرها. قال أحمد: إسناد جيد. وممن رأى ذلك مسروق، والنخعي، وأبو حنيفة، ووافقهم محمد بن الحسن في الخمر خاصة.
وذكر القاضي أن أحمد نص على أنه لا يؤخذ منهم شيء. وبه قال عمر بن عبد العزيز، وأبو عبيد، وأبو ثور. قال عمر بن عبد العزيز: الخمر لا يعشّرها مسلم...
قال أبو عبيد: ومعنى قول عمر - رضي الله عنه -: "ولُّوهم بيعها، وخذوا أنتم من الثمن" : أن المسلمين كانوا يأخذون من أهل الذمة الخمر والخنازير من جزيتهم، وخراج أرضهم بقيمتها، ثم يتولى المسلمون بيعها، فأنكره عمر، ثم رخص لهم أن يأخذوا من أثمانها، إذا كان أهل الذمة المتولين بيعها.
وروى بإسناده عن سويد بن غفلة، أن بلالا قال لعمر: إن عمالك يأخذون الخمر والخنازير في الخراج. فقال: لا تأخذوها منهم، ولكن ولّوهم بيعها، وخذوا أنتم من الثمن" انتهى.
والخمر والخنزير من أموال أهل الذمة، يتبايعونها فيما بينهم، ويؤخذ منهم من ثمنها العشر، والخراج والجزية، على خلاف بين الفقهاء.
وفي "الموسوعة الفقهية" (15/ 195): " وأما استيفاء الجزية من ثمن ما باعوه من الخمر والخنزير، فقد اختلف الفقهاء في جوازه.
فذهب الحنفية والمالكية والحنابلة والشافعية في قولٍ: إلى جواز أخذ الجزية من ثمن الخمر والخنزير، إذا تولى الذمي بيعها" انتهى.
وما جاء في السؤال من أن العشور تؤخذ من أهل الذمة وغيرهم:
إن أريد به أنها تؤخذ من المسلمين، فهذا خطأ كما عُلم مما تقدم.
وإن أريد بالغير: الحربيون، فهذا صحيح، فيؤخذ منهم العشر، ويؤخذ من الذمي نصف العشر.
واعلم أن العشر إنما يؤخذ عند انتقال التاجر من بلد إلى بلد، ولا يؤخذ إذا لم ينتقل، فأمر العشر مختلف عما أحدثه الناس من الضرائب.
والله أعلم.