الحمد لله.
المصارعة رياضة مباحه" ، وهي: الطرح على الأرض.
قال في "عون المعبود"(11/ 88) : " الصرع الطرح على الأرض" انتهى.
وليست المصارعة ما شاع لعبه الآن مما يشتمل على كشف العورات، والضرب في الوجه، والإيذاء، فهذه محرمة.
والمصارعة المنضبطة جائزة، ولا يقال إنها سنة ، وقد روى أبو داود (4078)،والترمذي (1784) : "أَنَّ رُكَانَةَ صَارَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" والحديث ضعفه الألباني في"ضعيف أبي داود"،وحسنه في "الإرواء" (5/ 329).
ويؤخذ من هذا الحديث أن المصارعة تكون مطلوبة إذا ترتب عليها مصلحة شرعية ، لأنها ترتب عليها إسلام ركانة ، حيث كان قوي البدن لا يصرعه أحد ، فلما صرعه النبي صلى الله عليه وسلم عدة مرات ، علم أن هذا أمر من الله ، فأسلم .
والأصل في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم أنها تعبدية ، يسن الاقتداء به صلى الله عليه وسلم فيها ، لكن هناك أفعال للنبي صلى الله عليه وسلم فعلها بمقتضى الجبلة البشرية ، كالأكل والنوم والمشي ، فهذه تكون مباحة ، ولا يقال إنها سنة .
ولا نعلم دليلا على أن هذه المصارعة أو غيرها تمت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومصارعة ركانة كانت في مكة قبل الهجرة .
وينظر جواب السؤال رقم : (225943)
ولعلك تقصد لعب الحبشة بالحراب في المسجد.
وقد روى البخاري (5236)،ومسلم (892) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَسْأَمُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ".
وفي رواية للبخاري (950)،ومسلم (892) أن ذلك "كَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ".
و (الدرق) جمع درقة وهي الترس. (الحراب) جمع حربة وهي رمح صغير عريض النصل.
ورواه النسائي (1595) وبوّب عليه: " اللَّعِبُ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْعِيدِ وَنَظَرُ النِّسَاءِ إِلَى ذَلِكَ".
وهذا اللعب ليس لعبا مجردا، بل هو تمرين على الجهاد، فيكون من العبادات، فلا إشكال في جوازه في المسجد، إذا لم يحصل به إيذاء للمصلين والمتعبدين، لكن لا يقال: اللعب بالحراب سنة، بل هو جائز.
قال ابن رجب في "فتح الباري " (3/ 340): "والمقصود من هذا الحديث: جواز اللعب بآلات الحرب في المساجد؛ فإن ذلك من باب التمرين على الجهاد، فيكون من العبادات.
ويؤخذ من هذا: جواز تعلم الرمي ونحوه في المساجد، ما لم يخش الأذى بذلك لمن في المسجد، كما تقدم في الأمر بالإمساك على نصال السهم في المسجد لئلا تصيب مسلما، ولهذا لم تجر عادة المسلمين بالرمي في المساجد.
وقد قال الأوزاعي: كان عمر بن عبد العزيز يكره النصال بالعشي، فقيل له: لم؟ قال: لعمارة المساجد.
ولكن إن كان مسجد مهجور ليس فيه أحد، أو كان المسجد مغلقا ليس فيه إلا من يتعلم الرمي؛ فلا يمنع جوازه حينئذ. والله أعلم.
وحكى القاضي عياض، عن بعض شيوخه، أنه قال: إنما يمنع في المساجد من عمل الصنائع التي يختص بنفعها آحاد الناس ويكتسب به، فأما الصنائع التي يشمل نفعها المسلمين في دينهم كالمثاقفة [العمل بالسيف] ، وإصلاح آلات الجهاد، مما لا امتهان للمسجد في عمله؛ فلا بأس به. والله أعلم" انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر في"الفتح"(1/ 549): " (والحبشة يلعبون في المسجد): فيه جواز ذلك في المسجد... واللعب بالحراب ليس لعبا مجردا، بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو. وقال المهلب: المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين، فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله: جاز فيه" انتهى.
والحاصل أن المصارعة – وهي الطرح على الأرض- يجوز فعلها في المسجد، إذا لم يحصل بها إيذاء لأهل المسجد برفع الصوت وغيره.
والله أعلم.