هناك من الناس من يقول : إن القول الفاحش مفهوم نسبي، وأنه في بعض المناطق تستعمل كلمات بذيئة على أنها عادية ومتداولة وليست بذيئة، وقد يقولها الفتى لأبيه، فما صحة هذا القول ؟
الحمد لله.
الفحش في القول والوقاحة في الكلام مما يبغضه الله تعالى ويمقت عليه ، قال تعالى : لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ النساء/ 148.
قال السعدي رحمه الله : "يخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول، أي: يبغض ذلك ويمقته ويعاقب عليه ، ويشمل ذلك جميع الأقوال السيئة التي تسوء وتحزن ، كالشتم ، والقذف ، والسب ، ونحو ذلك ، فإن ذلك كله من المنهي عنه الذي يبغضه الله .
ويدل مفهومها : أنه يحب الحسن من القول ، كالذكر ، والكلام الطيب اللين.
وقوله : ( إلا من ظلم ) أي : فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ، ويتشكى منه ، ويجهر بالسوء لمن جهر له به ، من غير أن يكذب عليه ، ولا يزيد على مظلمته ، ولا يتعدى بشتمه غيرَ ظالمِه ، ومع ذلك فعفوه وعدم مقابلته أولى ، كما قال تعالى : ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 212) .
وقد سبق الكلام عن أسباب منعه في جواب السؤال رقم : (198252) .
"الفحش" هو التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة، وأكثر ما يكون ذلك في ألفاظ الجماع وما يتعلق به، فإن أهل الخير يتحاشون تلك العبارات ويكنون عنها.
وَهُنَاكَ عِبَارَاتٌ فَاحِشَةٌ يُسْتَقْبَحُ ذِكْرُهَا ، وَيُسْتَعْمَلُ أَكْثَرُهَا فِي الشَّتْمِ وَالتَّعْيِيرِ ، وَكُل مَا يُسْتَحْيَا مِنْهُ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ أَلْفَاظُهُ الصَّرِيحَةُ ؛ فَإِنَّهُ فُحْشٌ .
انظر : "إحياء علوم الدين" (3/ 122)، "موعظة المؤمنين" (191).
وفي الجملة ، فإن "الفحش" هو القبيح من القول والفعل الذي يكرهه الطبع ، وبعضه مما تُجمع الأمم عليه ، وبعضه يختلف باختلاف العادات .
فما يعتاده ذوو المروءات في حديثهم، ولا يستنكرونه في معتاد أحوالهم: لا يكون فحشا ، ولا ينهى عنه ، وإن كان غيرهم يتنزهون عنه، ولا يتقبلونه في خطابهم.
وما يستنكره أهل المروءات، وكرام الناس، ولا يتعاطونه في الحديث بينهم، وفي مناداة بعضهم: يكون من الفحش المنهي عنه.
انظر : "إحياء علوم الدين" (3/ 122)، "نضرة النعيم" (11/ 5231).
غير أن للوالدين خصوصية في الحديث إليهما، والمناداة عليهما، وانتقاء الكلام اللائق بحالهما، ومقامهما ، ليست لغيرهما.
فينبغي أن يكون خطابهما بما هو لائق بمكان الأب، ومقام الأم ؛ وليس مجرد أن يكون من الخطاب المعروف مع غيرهما من الناس؛ بل الواجب أن يكون هذا خطاب أهل المروءات والبيوتات في بلد القائل، مع آبائهم وأمهاتهم.
ولهذا منع أهل العلم أن ينادي الولد أباه باسمه ، أو الأم باسمها ، لما فيه من عدم اللياقة في خطاب الوالدين، وهذا مما يتعارفه الناس جميعا ، ويرونه من القحة ، وسوء الأدب.
وينظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم : (237569)
والله أعلم.