هل أباح الله للإنسان أن يصطاد جميع ما كان أكله حلالا، سواء بهيمة الأنعام، أو أرانب، أو غزلان، أو أسماك، أو طيور؟ أم الاصطياد يكون في حق ما يصعب تذكيته مباشرة فقط لصعوبة القبض عليه إذا كان يجري في البر، أو يطير في الجو، مثل الغزالان والأرانب والطيور، وأقصد بالاصطياد أن يرمي الإنسان الحيوانات المذكورة بسهم أو بطلق ناري ؟ وهل يجوز للإنسان أن يذكر اسم الله تعالى، ثم يطلق النار علي بقرة بعيدة عنه، وسَتَفِرُ منه إذا اقترب منها، أم هذا يجوز في الأرانب والغزلان والطيور فقط ؟
الحمد لله.
الحيوانات التي يسهل الإمساك بها ، وذبحها ، كالإبل والبقر والغنم والدجاج ، وكذلك الصيد الذي تم الإمساك به ، كالغزال والحمار الوحشي ونحوها .... لا تحل حتى تذبح بالطريقة المعروفة في الشريعة الإسلامية .
قال ابن قدامة رحمه الله : "بلا خلاف بين أهل العلم" انتهى من "المغني" (13/301) .
إذا نفرت بهيمة الأنعام من بقر أو غنم أو إبل وشقّ الإمساك بها، جاز في هذه الحال أن تعامل معاملة الصيد، فترمى بآلة الصيد ، ويكفي أن تجرح في أي موضع من بدنها ، وتكون بذلك حلالا .
عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: " أَصَبْنَا نَهْبَ إِبِلٍ وَغَنَمٍ، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِهَذِهِ الإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الوَحْشِ، فَإِذَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْءٌ فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا رواه البخاري (5509)، ومسلم (1968).
وبوّب عليه البخاري " بَابُ مَا نَدَّ مِنَ البَهَائِمِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الوَحْشِ.
وَأَجَازَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " مَا أَعْجَزَكَ مِنَ البَهَائِمِ مِمَّا فِي يَدَيْكَ فَهُوَ كَالصَّيْدِ، وَفِي بَعِيرٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ: مِنْ حَيْثُ قَدَرْتَ عَلَيْهِ فَذَكِّهِ " وَرَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ " انتهى.
قال النووي في "شرح صحيح مسلم" : أما النهب ، فالمراد هنا : الغَنِيمَة .
وَقَوْله : ( فَنَدَّ مِنْهَا بَعِير ) أَيْ : شَرَدَ وَهَرَبَ نَافِرًا.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِإِبَاحَةِ عَقْر الْحَيَوَان الَّذِي يَنِدّ ، وَيُعْجَز عَنْ ذَبْحه وَنَحْره .
قَالَ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ : الْحَيَوَان الْمَأْكُول الَّذِي لَا تَحِلّ مَيْتَته ضَرْبَانِ : مَقْدُور عَلَى ذَبْحه ، وَمُتَوَحِّش ، فَالْمَقْدُور عَلَيْهِ لَا يَحِلّ إِلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْق وَاللَّبَة كَمَا سَبَقَ ، وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ ، وَسَوَاء فِي هَذَا الْإِنْسِيّ وَالْوَحْشِيّ إِذَا قَدَرَ عَلَى ذَبْحه بِأَنْ أَمْسَكَ الصَّيْد أَوْ كَانَ مُتَأَنِّسًا فَلَا يَحِلّ إِلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْق وَاللَّبَة ، وَأَمَّا الْمُتَوَحِّش كَالصَّيْدِ فَجَمِيع أَجْزَائِهِ مَذبَح مَا دَامَ مُتَوَحِّشًا ، فَإِذَا رَمَاهُ بِسَهْمٍ أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ جَارِحَة فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْهُ وَمَاتَ بِهِ حَلَّ بِالْإِجْمَاعِ .
وَأَمَّا إِذَا تَوَحَّشَ إِنْسِيّ بِأَنَ نَدَّ بَعِير أَوْ بَقَرَة أَوْ فَرَس أَوْ شَرَدَتْ شَاة أَوْ غَيْرهَا فَهُوَ كَالصَّيْدِ ، فَيَحِلّ بِالرَّمْيِ إِلَى غَيْر مَذْبَحه ، وَبِإِرْسَالِ الْكَلْب وَغَيْره مِنْ الْجَوَارِح عَلَيْهِ ، وَكَذَا لَوْ تَرَدَّى بَعِير أَوْ غَيْره فِي بِئْر ، وَلَمْ يُمْكِن قَطْع حُلْقُومه وَمَرِيئُهُ ، فَهُوَ كَالْبَعِيرِ النَّادّ فِي حِلّه بِالرَّمْيِ، بِلَا خِلَاف عِنْدنَا .
قَالَ أَصْحَابنَا : وَلَيْسَ الْمُرَاد بِالتَّوَحُّشِ مُجَرَّد الْإِفْلَات ، بَلْ مَتَى تَيَسَّرَ لُحُوقه بَعْد ، وَلَوْ بِاسْتِعَانَةٍ بِمَنْ يُمْسِكهُ وَنَحْو ذَلِكَ : فَلَيْسَ مُتَوَحِّشًا .
وَلَا يَحِلّ حِينَئِذٍ إِلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْمَذْبَح ، وَإِنْ تَحَقَّقَ الْعَجْز فِي الْحَال جَازَ رَمْيه ، وَلَا يُكَلَّف الصَّبْر إِلَى الْقُدْرَة عَلَيْهِ ، وَسَوَاء كَانَتْ الْجِرَاحَة فِي فَخِذه أَوْ خَاصِرَته أَوْ غَيْرهمَا مِنْ بَدَنه فَيَحِلّ .
وَمِمَّنْ قَالَ بِإِبَاحَةِ عَقْر النَّادّ كَمَا ذَكَرْنَا : عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَابْن مَسْعُود وَابْن عُمَر وَابْن عَبَّاس، وَطَاوُسٌ وَعَطَاء وَالشَّعْبِيّ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالْأَسْوَد بْن يَزِيد ، وَالْحَكَم وَحَمَّاد وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَالْمُزَنِيّ وَدَاوُد وَالْجُمْهُور" انتهى .
وينظر أيضا : "شرح المهذب" (9/123) .
وينظر لمعرفة الصيد وشروطه : جواب السؤال رقم : (194080)، ورقم : (296875)
وينظر أيضا للفائدة ، حول صيد البندقية : جواب السؤال رقم : (121239) .
والله أعلم.