إذا فرض عليّ أن أشتري شيئا، وتم وضع شروط العقد التي لا أقبلها، وأنا قمت بخرق هذه الشروط بدون معرفة البائع، فهل ما فعلته حرام؟ أرجو الإجابة مع ذكر الأدلة.
الحمد لله.
أولا:
من شروط انعقاد البيع التراضي من المتعاقدين ؛ قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً النساء/29.
وروى ابن ماجه (2185) عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ وصححه الألباني.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " الأصل في العقود هو التراضي المذكور في قوله : إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم النساء/29" انتهى من "الفتاوى الكبرى"(4/5).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(209392).
وعلى ذلك؛ إذا أُكره الإنسان على البيع أو الشراء، وكان الإكراه بغير حق، ولم يمكنه أن يمتنع من ذلك البيع، لتسلط المُكرِه عليه: لم يصح بيعه أو شراؤه.
والإكراه قد يكون بحق، كإكراه الحاكم للراهن على بيع الرهن لسداد ما عليه، فيصح البيع هنا.
قال في "دليل الطالب لنيل المطالب" ص 125 في بيان شروط صحة البيع:
"وشروطه سبعة:
أحدها: الرضى، فلا يصح بيع المكره بغير حق" انتهى.
وقال في "كشاف القناع"(3/150): "(فإن كان) أي: المتبايعان (أو) كان (أحدهما مكرها : لم يصح) البيع ، لما تقدم . (إلا أن يُكرَه بحق، كالذي يكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه) ، أو على شراء ما يوفي ما عليه من دين ، (فيصح) العقد؛ لأنه قول حمل عليه بحق فصح" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "قوله: فلا يصح من مكره بلا حق أي: لا يصح البيع من مكره بلا حق، والمكره هو الملجأ إلى البيع، أي: المغصوب على البيع، فلا يصح من المكره إلا بحق.
فلو أن سلطاناً جائراً أرغم شخصاً على أن يبيع هذه السلعة لفلان فباعها، فإن البيع لا يصح؛ لأنها صدرت عن غير تراضٍ.
ومثل ذلك ما لو علمت أن هذا البائع باع عليك حياءً وخجلاً، فإنه لا يجوز لك أن تشتري منه ما دمت تعلم أنه لولا الحياء والخجل لم يبع عليك. ولهذا قال العلماء ـ رحمهم الله ـ: يحرم قبول هدية إذا علم أن الرجل أهداها له على سبيل الحياء والخجل؛ لأن هذا وإن لم يصرح بأنه غير راضٍ، لكن دلالة الحال على أنه غير راضٍ.
وقوله: فلا يصح من مكره بلا حق أفادنا ـ رحمه الله ـ أنه إذا كان مكرهاً بحق فلا بأس؛ لأن هذا إثبات للحق، أي: إذا أكرهنا الإنسان على البيع بحق، فإن هذا إثبات للحق وليس ظلماً ولا عدواناً.
مثال ذلك: شخص رهن بيته لإنسان في دين عليه وحل الدين، فطالب الدائن بدينه، ولكن الراهن الذي عليه الدين أبى، ففي هذه الحال يجبر الراهن على بيع بيته؛ لأجل أن يستوفي صاحب الحق حقه فيرغم على ذلك.
مثال آخر: أرض مشتركة بين شخصين، وهي أرض صغيرة لا تمكن قسمتها، فطلب أحد الشريكين من الآخر أن تباع فأبى الشريك الآخر، فهنا تُباع الأرض قهراً على من امتنع؛ لأن هذا بحق من أجل دفع الضرر عن شريكه.
فالضابط إذاً: (أنه إذا كان الإكراه بحق فإن البيع يصح ولو كان البائع غير راض بذلك)؛ لأننا هنا لم نرتكب إثماً لا بظلم ولا بغيره فيكون ذلك جائزاً" انتهى من "الشرح الممتع" (8/ 108).
ثانيا:
الإكراه يكون بالتهديد بالقتل أو الضرب أو السجن من قادر على تنفيذه.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ومن شرط الإكراه ثلاثة أمور:
أحدها: أن يكون من قادر بسلطان ، أو تغلّب، كاللص ونحوه...
الثاني: أن يغلب على ظنه نزول الوعيد به، إن لم يجبه إلى ما طلبه.
الثالث: أن يكون مما يستضر به ضررا كثيرا، كالقتل، والضرب الشديد، والقيد، والحبس الطويل، فأما الشتم، والسب، فليس بإكراه، رواية واحدة، وكذلك أخذ المال اليسير.
فأما الضرر اليسير فإن كان في حق من لا يبالي به، فليس بإكراه، وإن كان في بعض ذوي المروءات، على وجه يكون إخراقا بصاحبه، وغضا له، وشهرة في حقه، فهو كالضرب الكثير في حق غيره" انتهى من "المغني" (7/384).
فإذا أكرهت على الشراء، لم يصح الشراء، وعليك متى ما زال الإكراه أن ترد السلعة وتأخذ مالك، لا أن تخرق الشروط، فإن العقد برمته لم يصح، ولم تنتقل به السلعة إلى ملكك.
وإذا لم يبلغ الأمر حد الإكراه، فشراؤك صحيح، ويلزمك الوفاء بالشرط إذا كان جائزا.
وكان يحسن بك أن تذكر مسألتك على وجه التفصيل مبينا صفة الإكراه، والشروط التي أخذت عليك ، حتى نستطيع معرفة ، هل هذا إكراه حقيقي أم لا ؟
وليس من الصواب أن تأخذ حكما عاما ، ثم تفتي به نفسك في النازلة المعينة ، بل الواجب عليك أن تشرح لمن تستفيه خصوص مسألتك، ليجيبك عنها جوابا مباشرا، خاصا بها، وليس مجرد حكم عام .
والله أعلم.