أردت الاستفسار عن الأوقات المستحبة للدعاء، ففي حديث الرسول ﷺ قال -فيما معناه-: ( أنّه ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلّا كان له إحدى ثلاث... إلى آخر الحديث)، ومن المعلوم أنّ إجابة الله تعالى للدعاء لا تكون حتمًا بتحقيق المطلوب، بل بما ذكر في الحديث، ووفقًا للحديث فهذا صحيح لكل دعوة وفقًا للشروط المذكورة، فإذا كان الأمر كذلك، فما المعنى من الأوقات المستحبة للدعاء، وغيرها من أحاديث مثل: (أنّ دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب)؟
الحمد لله.
الدعاء يستجاب ، بإذن الله ، إذا تحققت شروطه وانتفت موانعه، فليس كل دعاء يستجاب.
ثم الاستجابة تكون بإحدى ثلاث خصال: تحقيق المطلوب، أو ادخار الثواب في الآخرة، أو أن يصرف عنه من السوء مثلها.
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ؟ قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ .
رواه أحمد (10749)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(1633).
قال ابن عبد البر رحمه الله: " فيه دليل على أنه لا بد من الإجابة على إحدى هذه الأوجه الثلاثة " انتهى من "التمهيد" (10/297).
ومن أسباب استجابة الدعاء: كونه في ساعة إجابة، أو من مظلوم فتفتح لدعوته أبواب السماء، أو من مسافر، أو من والد لولده، أو من داع ملحٍّ، إضافة إلى شرط طيب المطعم، وعدم الدعاء بإثم أو قطيعة رحم.
فإذا كان الدعاء في وقت إجابة كالثلث الأخير من الليل، أو بين الأذان والإقامة، فهذا مما يقوي إجابة الدعاء، كما أن دعاء المسافر يقوي إجابة الدعاء، ولا يلزم من ذلك ألا يستجاب لغير المسافر، أو أن لا يستجاب لمن دعا في الأوقات العادية، لكن يكون قد فاتهما سبب مُقوٍّ للإجابة.
قال ابن القيم رحمه الله:
" وإذا جمع مع الدعاء :
حضور القلب ، وجَمْعِيَّتَه بكليته على المطلوب،
وصادف وقتا من أوقات الإجابة الستة، وهي: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة من ذلك اليوم، وآخر ساعة بعد العصر،
وصادف خشوعا في القلب، وانكسارا بين يدي الرب، وذلا له، وتضرعا، ورقة.
واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار، ثم دخل على الله، وألح عليه في المسألة، وتملقه ودعاه رغبة ورهبة، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وقدم بين يدي دعائه صدقة، فإن هذا الدعاء لا يكاد يُرد أبدا.
ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظنة الإجابة، أو أنها متضمنة للاسم الأعظم" انتهى من "الجواب الكافي" ص12.
فالمقصود: أن الدعاء في أوقات الإجابة سبب مُعِين على الإجابة، وليس شرطا للإجابة.
ولهذا يقول العلماء في مثل ذلك: إن هذه الأوقات مظنة للإجابة؛ أي: من دعا فيها كان أقرب للإجابة، وفي ذلك حض على اغتنام هذه الأوقات وإحيائها.
قال الأستاذ ماهر مقدم في " شرح الدعاء من الكتاب والسنة" ص69:
"من واسع فضل اللَّه تبارك وتعالى؛ الذي لا يُحد ولا يعد، أنه - تعالى- مجيب للدعاء، دون قيد بوقت أو حال أو زمان أو مكان على الإطلاق؛ إلا أنه تعالى من كمال كرمه وفضله كذلك: جعل في بعض الأوقات والأحوال والأماكن مزيداً من العناية بالإجابة والقربة؛ حثاً منه تعالى إلى اقتناصها، وتشمير ساعد الجد إلى العناية بها" انتهى.
فمن دعا في أوقات الإجابة، كالدعاء بين الأذان والإقامة، أو في المطر، أو في الساعة الأخيرة من الجمعة، كان أقرب إلى الإجابة ممن دعا في غير ذلك.
هذا؛ مع أن العبد قد يدعو في وقت الإجابة: فلا يستجاب له؛ إما لتخلف شرط أو وجود مانع، نسأل الله العافية.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله فِي شَرْحِ حَدِيثِ: " يَنْزِل رَبُّنَا... ":
" لاَ يُعْتَرَضُ عَلَى ذَلِكَ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ بَعْضِ الدَّاعِينَ؛ لأِنَّ سَبَبَ التَّخَلُّفِ وُقُوعُ الْخَلَل فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الدُّعَاءِ، كَالاِحْتِرَازِ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ، أَوْ لاِسْتِعْجَال الدَّاعِي، أَوْ بِأَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، أَوْ تَحْصُل الإْجَابَةُ بِهِ، وَيَتَأَخَّرُ وُجُودُ الْمَطْلُوبِ لِمَصْلَحَةِ الْعَبْدِ، أَوْ لأِمْرٍ يُرِيدُهُ اللَّهُ تَعَالَى "انتهى من "فتح الباري"(3/31).
والله أعلم.