هل هذا الكلام صحيح، وثابت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أم هو موضوع ومكذوب؟ عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال: (لمّا خلق الله تعالى آدم أبو البشر ونفخ فيه من روحه، التفت آدم يمنة العرش، فإذا في النور خمسة أشباح سجّداً وركّعاً، قال آدم: يا ربّ، هل خلقت أحداً من طين قبلي؟ قال: لا يا آدم. قال: فمن هؤلاء الخمسة الأشباح الذين أراهم في هيئتي وصورتي؟ قال: هؤلاء الخمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي، لولاهم ما خلقت الجنّة ولا النار ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجنّ، فأنا المحمود وهذا محمّد، وأنا العالي وهذا عليّ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا الإحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن وهذا الحسين، آليت بعزّتي أنّه لا يأتيني أحد بمثقال ذرّة من خردل من بغض أحدهم إلاّ أدخلته ناري ولا اُبالي. يا آدم هؤلاء صفوتي من خلقي بهم اُنجيهم وبهم اُهلكهم، فإذا كان لك إليَّ حاجة فبهؤلاء توسّل. فقال النبيّ صلى الله عليه وآله : نحن سفينة النجاة من تعلّق بها نجا، ومن حاد عنها هلك، فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت ).
الحمد لله.
هذا الحديث من أباطيل الشيعة التي يتناقلونها في كتبهم، ومن المعلوم أن الشيعة لا ينفردون عن الأمة المسلمة بخبر صحيح، لانتشار الكذب بينهم وجهالة حال كثير من رواتهم، وعدم التثبت مما يروونه، فيتناقلون كل ما يرونه موافقا لمذهبهم ولو علموا كذبه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" والقوم - الرافضة- من أكذب الناس في النقليات، ومن أجهل الناس في العقليات، يصدقون من المنقول بما يعلم العلماء بالاضطرار أنه من الأباطيل، ويكذِّبون بالمعلوم من الاضطرار المتواتر أعظم تواتر في الأمة جيلا بعد جيل، ولا يميزون في نقلة العلم، ورواة الأحاديث والأخبار بين المعروف بالكذب، أو الغلط، أو الجهل بما ينقل، وبين العدل الحافظ الضابط المعروف بالعلم بالآثار " انتهى من"منهاج السنة" (1 / 8).
وقال رحمه الله تعالى:
" وقد اتفق أهل العلم بالنقل، والرواية، والإسناد: على أن الرافضة أكذب الطوائف، والكذب فيهم قديم، ولهذا كان أئمة الإسلام يعلمون امتيازهم بكثرة الكذب " انتهى من "منهاج السنة" (1 / 59).
وعلامات الكذب في هذا الخبر ظاهرة عليه، ومنها:
زعم مخترع هذا الباطل أن الله تعالى أمر آدم عليه السلام بالتوسل بمحمد صلى الله عليه وسلم وآل بيته، وقد سبق في الموقع بيان حال خبر مكذوب بهذا المعنى في جواب السؤال رقم : (34715)، ورقم : (60041).
وكذلك ادعاء أن الكون خلق من أجل محمد صلى الله عليه وسلم وآل بيته، وقد سبق في الموقع بيان كذب خبر بهذا المعنى في جواب السؤال رقم : (23290).
وأما كون آل البيت سفينة النجاة : فكذلك هذا حديث لا يصح، بل النجاة في اتباع الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
قال الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ آل عمران/31 - 32 .
وقال الله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ التغابن/12.
وقال الله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا النساء/115.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الرد على الرافضي:
" وأما قوله: " مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح " : فهذا لا يعرف له إسناد صحيح " انتهى من "منهاج السنة" (7 / 395).
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
" أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لهم الحق في نصيحتهم والإحسان إليهم ، وفي تعليم جاهلهم وفي العفو عن مسيئهم ، إذا كانت الإساءة تتحمل العفو، إلى غير هذا من المصالح التي ذكّر بها النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن ليس هم السفينة، السفينة كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، هذه هي السفينة من أخذ بهما نجا ومن تخلف عنهما هلك، وأهل البيت فيهم المحق وفيهم المبطل، فيهم أبو طالب وهو من أهل النار، وفيهم أبو لهب وهو من أهل النار، وفيهم علي وهو من أهل الجنة وفيهم ذريته كالحسن والحسين ومحمد بن علي وجماعة بعدهم من أهل البيت الأخيار الطيبين من أهل الاستقامة والهدى.
وأفضل منهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم وأرضاهم وعثمان بن عفان والخلفاء الراشدون هم أفضل من أولئك، وكل هؤلاء من أهل النجاة والسعادة وليسوا أهل البيت فقط .
فكل من استقام على أمر الله من أهل البيت وغير أهل البيت ، فهو على سبيل النجاة وهو في السفينة، ومن حاد عن طاعة الله ورسوله فهو من أهل الهلاك وإن كان من ذرية الأنبياء، وإن كان من بيت النبي عليه الصلاة والسلام، ينبغي أن يعلم هذا الشيعة وأصحاب الشيعة " انتهى.
بغض آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من الضلال.
عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ: أَنْ لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضَنِي إِلَّا مُنَافِقٌ رواه مسلم (78).
فمن العقيدة التي أجمع عليها أهل السنة والجماعة حب آل البيت.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" ومن أصول أهل السنة والجماعة ...
ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال يوم غدير خم: ( أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي )، وقال أيضا للعباس عمه - وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم - فقال: ( والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي )..." انتهى من "مجموع الفتاوى" (3 / 154).
لكن أصل هذا الحب يشتركون فيه مع باقي الصحابة رضوان الله عليهم، كما يدل على هذا نصوص كثيرة؛ ومن ذلك حديث البَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الأَنْصَارُ لاَ يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ رواه البخاري (3783)، ومسلم (75).
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" فمعناه: أن حب علي من الإيمان، وبغضه من النفاق، فالإيمان ذو شعب، وكذلك النفاق يتشعب، فلا يقول عاقل: إن مجرد حبه يصير الرجل به مؤمنا مطلقا، ولا بمجرد بغضه يصير به الموحد منافقا خالصا.
فمن أحبه وأبغض أبا بكر، كان في منزلة من أبغضه وأحب أبا بكر، فبغضهما ضلال ونفاق، وحبهما هدى وإيمان " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (12 / 510).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن عقيدة أهل السنة والجماعة:...
" ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وصفهم الله به في قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )، وطاعة النبي في قوله: ( لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ، ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ ). ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع: من فضائلهم ومراتبهم...
ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم. ومن طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل، ويمسكون عما شجر بين الصحابة " انتهى من "مجموع الفتاوى" (3 / 152 - 154).
والله أعلم.